تقول إحدى الروايات، إن النبي
اشتد مرضه «في بيت ميمونة، فجمع نساءه، فاستأذنهن أن يمرض في بيت عائشة»
«فأذن له».
رغم أن فاطمة، كما رأينا، كانت حليفة الحزب المناوئ لعائشة وحزبها، فعائشة تزعم،
أنه «لما مرض رسول الله مرضه الذي توفي فيه، طافت فاطمة على نسائه، تقول: إن رسول
الله يشق عليه أن يطوف عليكن! فقلن: هو في حل. فكان يكون في بيت عائشة». وتقول رواية أخرى،
لا ذكر فيها لفاطمة: «لما ثقل رسول الله (ص) في مرضه الذي توفي فيه، قال: أين أنا
غداً؟ قالوا: عند فلانة! قال: أين بعد غد؟ قالوا: عند فلانة! فعرف أزواجه أنه يريد
عائشة، فقلن: يا رسول الله، قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة».
مع ذلك، لدينا نصوص تناقض ماسبق،
تؤكد أن النبي كان «قد همّ أن يطلّق من نسائه، فلما رأين ذلك، جعلنه في حلّ يؤثر من
يشاء منهن على من يشاء... فكان يؤثر عائشة وزينب». وفي قول منسوب لعلي، نلاحظ أنه «لم يمت رسول الله (ص) حتى أحلّ له أن
يتزوج من النساء ما شاء، وهو قوله «ترجئ من تشاء منهن» [أحزاب 51]». والحديث ذاته مروي عن عائشة أيضاً.
حول ساعات النبي الأخيرة، تقدّم
عائشة روايات كثيرة، سوف نلاحظ لاحقاً أن هنالك من يكذّبها: تقول إحدى الروايات،
نقلاً عنها: «كان رسول الله (ص)، إذا مرّ ببابي مما يلقي الكلمة ينفع الله عز وجل.
فمرّ ذات يوم، فلم يقل شيئاً، ثم مرّ أيضاً، فلم يقل شيئاً - مرتين أو ثلاثاً. قلت:
يا جارية! ضعي لي وسادة على الباب! وعصبت رأسي. فمرّ بي، فقال: يا عائشة ما شأنك؟
فقلت: أشتكي رأسي! فقال: أنا، ورأساه! فلم يلبث إلا يسيراً، حتى جيء به محمولاً في
كساء، فدخل علي، وبعث إلى النساء، فقال: إني قد اشتكيت، وإني لا أستطيع أن أدور
بينكن، فأذن لي، فلأكن عند عائشة أو صفية. ولم أمرض أحداً قبله؛ فبينما رأسه ذات
يوم على منكبي، إذ مال رأسه نحو رأسي، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة، فخرجت من فيه
نطفة باردة، فوقعت على ثغرة نحري، فاقشعر لها جلدي، فظننت أنه غشي عليه، فسجيته
ثوباً، فجاء عمر والمغيرة ابن شعبة، فاستأذنا، فأذنت لهما، وجذبت إليّ الحجاب، فنظر
عمر إليه، فقال: واغشياه، ما أشد ما غشي رسول الله (ص)! ثم قاما، فلما دنوا من
الباب، قال المغيرة: يا عمر، مات رسول الله (ص). قال: كذبت، بل أنت رجل تحوسك فتنة؛
إن رسول الله (ص) لا يموت حتى يفني الله عز وجل المنافقين. ثم جاء أبو بكر، فرفعت
الحجاب، فنظر إليه، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! مات رسول الله (ص)...».
تقول رواية أخرى أكثر شهرة،
نقلاً عن عائشة أيضاً: «مات رسول الله (ص) في بيتي ويومي، وبين سحري ونحري، فدخل
عبد الرحمن بن أبي بكر، ومعه سواك رطب، فظننت أن له فيه حاجة... فأخذته، فمضغته
ونفضته وطيبته، ثم دفعته إليه، فاستن كأحسن ما رأيته مستناً قط، ثم ذهب يرفعه إلي،
فسقط من يده، فأخذت أدعو الله عز وجل بدء كان يدعو به جبريل (ع)؛ وكان هو يدعو به
إذا مرض، فلم يدع به في مرضه ذلك، فرفع بصره إلى السماء، وقال: الرفيق الأعلى،
الرفيق الأعلى! يعني وفاضت نفسه! فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه آخر يوم من
أيام الدنيا».
وفي رواية ثالثة، تقول عائشة
أيضاً: «مات في اليوم الذي كان يدور فيه عليّ في بيتي، فقبضه الله وإن رأسه بين
نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي».
كان عمرها، آنذاك، كما أشرنا،
«ثمان عشرة سنة»
تقريباً