القسم الأول: عائشة في البيت النبوي 3 أخلاق عائشة... ونساء النبي
إذا كانت عائشة بهذه الحدّة وتلك الأخلاق في تعاملها مع النبي، فكم بالحري أن تزداد تطرفاً في حدّتها وعنفها في التعامل مع زوجاته، اللواتي كن ينافسنها في كلّ شيء. ولما كانت أخبار عائشة مع نساء النبي الأخريات كثيرة وهامة، ارتأينا أن نقدّمها بشيء من التفصيل والتصنيف، فنجعل لكل زوجة من زوجاته الهامات فصلاً مستقلاً، ثم نجمل الباقيات الثانويات في فصل واحد. يذكر اليعقوبي في تاريخه أن النبي تزوج بإحدى وعشرين امرأة، وقيل ثلاثاً وعشرين. وهن: خديجة، سودة، غزية أم شريك، حفصة، زينب بنت خزيمة، أم حبيبة، زينب بنت جحش، أم سلمة، جويرية بنت الحارث، صفية، ميمونة بنت الحارث، مارية أم ابراهيم؛ أما اللواتي لم يدخل بهن فهن: خولة بنت الهذيل وشراف أخت دحية الكلبي وسنا بنت الصلت اللواتي متن قبل وصولهن اليه، ريحانة بنت شمعون، أسماء بنت النعمان، قتيلة بنت قيس، عمرة بنت يزيد، العالية بنت ظبيان، وجونية أخرى غير أسماء. آ عائشة وخديجة رغم أن عائشة لم ترَ خديجة قط ولم تدركها، إلاّ أن ذكر النبي إياها كان غالباً ما يجعلها محط غيرة عائشة، وبالتالي تعابيرها القاسية. ورد في أسد الغابة(1) عن عائشة، قولها: «ما غرت على أحد من أزواج النبي، ما غرت على خديجة [نلاحظ تكرار هذا القول بالنسبة لأكثر من واحدة من نساء النبي]، وما بي أن أكون أدركتها، وما ذاك إلا لكثرة ذكر رسول الله (ص) لها... ذكرها يوماً من الأيام، فأدركتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزاً، أبدلك الله خيراً منها؟ فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب». وفي مسند أحمد(2)، ورد قولها عن خديجة: «لقد أعقبك الله، يا رسول الله، من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين... فتغير وجه رسول الله (ص) تغيراً لم أره إلا عند نزول الوحي أو عند المخيلة حتى يعلم رحمة أو عذاب». وفي نص آخر(3) من المرجع ذاته، نجد النبي يقول عن خديجة: «ما أبدلني الله خيراً منها؛ آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله - عز وجل - ولدها، إذ حرمني أولاد النساء». - ويبدو أن الجملة الأخيرة تختصر أحد أسباب غيرة عائشة، غير المبرّرة(4)!. في السمط الثمين(5)، نصادف عائشة تقول: «ما حسدت امرأة ما حسدت خديجة... وذلك أن رسول الله (ص) بشّرها ببيت في الجنة، لا صخب فيه ولا نصب». ويضيف ابن ماجة(6)، «من قصب، يعني من ذهب». وفي سياق حديثها عن غيرتها، تذكر عائشة أيضاً، أن النبي «كان يذبح الشاة فيتتبع بها صدائق خديجة، فيهديها لهن»(7)؛ وتضيف: «ربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة! فيقول: إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد»(8). يبدو أن سبباً آخر لغيرة عائشة من خديجة هو أن النبي لم يتزوج عليها حتى ماتت! فكثيراً ما نجدها تكرر هذه المقولة: «لم يتزوج النبي (ص) على خديجة حتى ماتت»(9). أخيراً، تذكر عائشة أنه حين «استأذنت هالة بنت خويلد، أخت خديجة، على رسول الله (ص)، فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك، وقال: اللهم هالة! فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، وأبدلك الله خيراً منها»(10). «وقال ابن التنين في سكوت النبي على هذه المقالة دليل على أفضلية عائشة على خديجة، إلا أن يكون المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن»(11). ويبدو أن ابن التنين لم يصادف إلا هذا النص الذي لم نجد فيه ردّاً للنبي على تلفظات عائشة!!! ب عائشة وسودة رغم اتفاق الروايات على أن زواجي النبي من سودة وعائشة لم يفصل بينهما زمن طويل، فالاختلاف بين تلك الروايات كبير في تحديد التواريخ على نحو دقيق. مع ذلك، يمكن أن نستشف من أخبارة سودة في التراث الإسلامي أن تلك المرأة كانت مجرّد أرملة أقرب إلى السذاجة، متقدّمة في السن، مقارنة بعائشة أو جويرية أو صفية، لكنها ليست أكبر من النبي، ضخمة، غير جميلة إلى حد ما. وقد تزوجها النبي في مرحلة صعبة، حرجة من حياته - إضطرارياً ربما - قبيل انتقاله من مكة إلى المدينة؛ أي: في مرحلة التحول من الدوغماتية إلى البراغماتية. لا نمتلك سوى معلومات ضئيلة عن سودة، مقارنة بغيرها من نساء النبي البارزات. وأهم ذلك أنها كانت ضمن حزب عائشة، المواجه للحزب الآخر الذي تزعمته الزوجة البارزة الاخرى ، أم سلمة. من الأمور المعروفة عن سودة، أن النبي، لما أسنّت، طلقها، أو أراد طلاقها، فوهبت «ليلتها» لعائشة، فراجعها. يذكر المنتظم(12) ، على سبيل المثال، «أن رسول الله (ص) طلّق سودة، فجعلت يومها لعائشة، فراجعها». أما المحلّى (13) ، فيذكر أن سودة «وهبت يومها وليلتها، لما أسنّت، لعائشة (رض). وجاء أنه - عليه الصلاة والسلام - أراد فراقها، فلما رغبت إليه - عليه الصلاة والسلام - في إمساكها، وتجعل يومها وليلتها لعائشة، لم يفارقها». لكن هداية الباري(14) يزعم أنها «وهبت يومها وليلتها لعائشة، تبتغي بذلك رضا رسول الله (ص)». روي أيضاً، أن النبي «كان يسوّي مع ما أطلق له وخيّر فيه، إلاّ سودة، فإنها وهبت ليلتها لعائشة، وقالت: لا تطلّقني حتى أحشر في زمرة نسائك»(15) . وفي حديث ابن عبّاس، أن «سودة خشيت أن يطلّقها رسول الله (ص)، فقالت: يا رسول الله، لا تطلّقني، وامسكني واجعلني حتى أحشر في زمرة نسائك»(16) . وفي حديث عائشة: «ما كان رسول الله (ص) يفضّل بعضنا على بعض في القسم. وكان قلّ يوم إلاّ وهو يطيف بنا ويدنو من كلّ واحدة منا من غير مسيس، حتى ينتهي إلى التي هي يومها، فيبيت عندها. ولقد قالت له سودة بنت زمعة، وقد أراد أن يفارقها: يومي منك ونصيبي لعائشة! فقبل ذلك منها»(17) . يقدّم ابن سعد(18) ، تفاصيل أخرى، نقلاً عن عائشة: «كانت سودة بنت زمعة قد أسنّت، وكان رسول الله (ص) لا يستكثر منها، وقد علمت مكاني من رسول الله (ص)، وأنه يستكثر مني، فخافت أن يفارقها، وضنّت مكانها عنده، فقالت: يا رسول الله، يومي الذي يصيبني لعائشة، وأنت منه في حلّ. فقبله النبي (ص)، وفي ذلك نزلت: «وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً» (نساء 128)»(19) . يذكر المرجع ذاته تفاصيل أخرى، فيقول: «قال رسول الله (ص) لسودة بنت زمعة: اعقدي! فقعدت له على طريقه ليلة، فقالت: يا رسول الله! مابي حب الرجال، ولكني أحب أن أبعث في أزواجك، فأرجعني. فأرجعها رسول الله (ص)»(20) . وفي رواية أخرى أن «النبي (ص) بعث إلى سودة بطلاقها، فلما أتاها، جلست على طريقه لبيت عائشة، فلما رأته، قالت: أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه واصطفاك على خلقه! لم طلقتني؟ ألموجودة وجدتها فيّ؟ قال: لا! قالت: فإني أنشدك بمثل الأولى، أما راجعتني، وقد كبرت، ولا حاجة لي في الرجال، ولكني أحب أن أبعث في نسائك يوم القيامة. فراجعها النبي (ص). قالت: فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة، حبة رسول الله (ص)»(21) . وفي نصّ آخر يقال: «لما أسنت سودة عند رسول الله (ص)، همّ بطلاقها؛ قالت: لا تطلّقني، وأنت في حلّ من شأني»(22) . وهكذا، «كان رسول الله (ص) يقسم لعائشة يومين: يومها ويوم سودة»(23) . فكانت عائشة تقول: «ما رأيت امرأة أحب إليّ أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة: امرأة فيها حدّة، فلما كبرت، جعلت يومها من رسول الله (ص) لعائشة»(24) . وفي رواية أخرى، تقول عائشة عن سودة: «إنها امرأة فيها حسد»(25) . فلماذا طلّق(أو أراد طلاق) النبي سودة، وهل كانت بالفعل مسنّة؟ من المتعارف عليه أن سودة بنت زمعة «توفيت سنة أربع وخمسين بالمدينة، في خلافة معاوية»(26) . هذا يعني أنها عاشت بعد النبي أربعين عاماً على الأقل: ونعرف أن النبي توفي في السنة الحادية عشرة للهجرة. ولو أنها توفيت وعمرها مئة عام، فالنتيجة الحتمية التي لا مفر من الوصول إليها هي أنها لم تكن تتجاوز الستين من العمر حين توفي النبي - أي: كانت أصغر منه. إذن، لم تكن سودة مسنة مقارنة بالنبي، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار زواجه الطويل من خديجة التي كانت تكبره بحوالي خمسة عشر عاماً - فلماذا طلقها؟ إضافة إلى «الحدّة» و «الحسد»، اللذين وصمتها بهما عائشة - ولا يوجد في ما بين أيدينا من أحاديث ما يشير إلى شيء من ذلك - يمكن أن نستنتج من الروايات القليلة المتعلقة بسودة صفات أخرى في هذه المرأة، لا تجعلها مرغوبة من رجل عادي، فكيف برجل قوي متنفذ متمكّن!؟ مشكلة سودة، كما أشرنا، أنها كانت زوجة من مرحلة انتقالية صعبة، وكان لا بد من التخلص منها مع زوال تلك المرحلة.
عن صفات سودة الأخرى غير
المرغوبة، تتحدّث إحدى الروايات، نقلاً عن كانت سودة «امرأة يفرع الناس من جسمها»(28) ، وكانت «ثبطة، ثقيلة»، لطالما استأذنت النبي «في الإفاضة قبل الصبح من جمع»(29) . إضافة إلى ضخامة سودة التي، على ما يبدو، لم تكن طبيعية، فالمصادر الإسلامية توحي أيضاً بأنها كانت تمتلك صفات أخرى جعلتها غير مرغوبة: من ذلك البساطة التي قد تلامس السذاجة أحياناً. يروي أسد الغابة الحدث التالي: «أن عائشة وحفصة (رض) كانتا جالستين تتحدثان، فأقبلت سودة زوج النبي (ص)، فقالت إحداهن للأخرى: أما ترين سودة ما أحسن حالها! لنفسدنّ عليها! وكانت من أحسنهن حالاً! كانت تعمل الأديم الطائفي. فلما دنت منهما، قالتا لها: يا سودة، أما شعرت؟ قالت: وما ذلك؟ قالتا: خرج الأعور الدجال! ففزعت، وخرجت حتى دخلت خيمة لهم، يوقدون فيها، وكان في مائتيها زعفران، فأقبل النبي (ص) فلما رأتاه استضحكتا، وجعلتا لا تستطيعان أن تكلماه، حتى أومأت إليه، فذهب حتى قام على باب الخيمة، فقالت: يا نبي الله! خرج الأعور الدجال؟! فقال: لا، ولا كان قد خرج! فخرجت، وجعلت تنفض عنها نسيج العنكبوت»(30) . - لا بد أن نلاحظ هنا جملة «كانت من أحسنهن حالاً». وتقول رواية أخرى، نقلاً عن عائشة: «أتيتُ رسول الله (ص) بحريرة، طبختها له، فقلت لسودة، والنبي (ص) بيني وبينها: كلي! فأبت، فقلت لها: كلي، وإلا لطخت وجهك! فأبت، فوضعت يدي على الحريرة فطليت بها وجهها، فضحك النبي (ص)، ووضع فخذه لها، وقال لسودة: ألطخي وجهها! فلطخت وجهي، فضحك النبي»(31) . - لا بد أن نلاحظ هنا أيضاً فرق السن المفترض بين الاثنتين. صراعات لا بد منها: رغم أن سودة كانت من حلف عائشة، فهذا لم يمنع الأخيرة أن تكيد لها وتضايقها - لكن ليس بأسلوب تعاملها مع الحلف المعادي. يحكي أحد المصادر أن عائشة «سمعت سودة تنشد: عدي وتيم تبتغي من تحالف. فقالت عائشة لحفصة: ما تعرّض إلا بي وبك يا حفصة، فإذا رأيتني أخذت برأسها، فأعينيني! فقالت: فأخذت برأسها، وخافت حفصة، فأعانتها. وجاءت أم سلمة، فأعانت سودة. فأتى النبي (ص)، فأُخبر وقيل له: أدرك نساءك يقتتلن! فقال: ويحكن! مالكن؟ فقالت عائشة: يا رسول الله، ألا تسمعها، تقول: عدي وتيم تبتغي من تحالف؟ فقال: ويحكن! ليس عديكن ولا تيمكن؛ إنما هو عدي تميم وتيم تميم»(32) . لا يبدو أن سودة استطاعت أن تنجو من براثن أسطورة المغافير الشهيرة. ففي إحدى نسخ الأسطورة، نجدها مستهدفة من عائشة وحفصة: «كان رسول الله (ص) يشرب عند سودة العسل، فدخل على عائشة، فقالت: إني أجد ريحاً! حتى دخل على حفصة، فقالت له مثل ذلك، فقال: أراه من شراب شربته عند سودة، والله لا أشربه! فنزلت: «يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك»» (33) . نسخة ثانية، أكثر أهمية، تقدّمها لنا عائشة، التي تقول: «كان رسول الله (ص) يحب الحلوى ويحب العسل. وكان إذا صلّى العصر، دار على نسائه، فيدنو منهن. فدخل على حفصة، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت رسول الله (ص) منه. فقلت: أما - والله - لنحتالن له!!! فذكرت ذلك لسودة، وقلت: إذا دخل عليك، فإنه سيدنو منك، فقولي له: يا رسول الله! قد أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك: لا! فقولي له: ما هذه الريح؟ وكان رسول الله (ص) يشتد عليه أن يوجد منه ريح. فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل. فقولي له: جرست نحله العرفط. وسأقول له ذلك. فقولي له أنت يا صفية. فلما دخل على سودة، قالت سودة: والله الذي لا إله إلا هو، لقد كدت أن أبادئه بالذي قلت لي، وإنه لعلى اللباب، فرقاً منك. فلما دنا رسول الله (ص)، قلت: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال: لا! قلت: فما هذه الريح؟ قال: جرست نحلة العرفط. فلما دخل علي، قلت له مثل ذلك. ثم دخل على صفية، فقالت له مثل ذلك. فلما دخل على حفصة، قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: لا حاجة لي به! قالت: تقول سودة: سبحان الله، والله لقد حرمناه!! قلت لها: اسكتي»(34) . أسطورة المغافير، رغم تبعثرها في معظم زوايا التراث الإسلامي، مخترعة في اعتقادنا، للتغطية على القصة الحقيقية الكامنة خلف سورة التحريم، والتي سنناقشها لاحقاً في فصل «عائشة ومارية».
ج عائشة... وحفصة
كانت حفصة بنت عمر بن الخطاب أقرب نساء النبي إلى عائشة، وإحدى أهم ركائز حزبها. لكن يبدو أن محبة النبي لها لم تكن بقدر محبته لنسائه الأخريات.واحتفاظه بها ضمن نسائه، على ما يبدو، كان فقط لانها ابنة الرجل القوي، عمر بن الخطاب. وذكرها القليل نسبياً في التراث الإسلامي، ارتبط على نحو شبه مستمر بقصص مؤامراتها مع عائشة ضد النبي أو ضد نسائه الأخريات. وإذا ما تجاهلنا أسطورة المغافير الشهيرة، فإن نصوص تفاسير سورة التحريم تتضمن أكثر الإشارات إلى حفصة في التراث الإسلامي، حيث الكلام عن تكليف الله «عائشة وحفصة بالتوبة»(35) ، بعد الذي بدا منهما حين اكتشفتا أن النبي يضاجع مارية القبطية، جاريته، في فراش حفصة.(لا يوجد اتفاق شامل في المصادر الاسلامية حول ما اذا كان فعل المضاجعة حدث في فراش حفصة أم في فراش عائشة) - والقصة ستناقش في فصل «عائشة ومارية». يبدو أن مشاكل حفصة مع النبي كانت كثيرة، حتى أنه طلّقها - على الأرجح - أكثر من مرة. فيقال إن عمر «دخل على حفصة، وهي تبكي. فقال: ما يبكيكِ؟ لعلّ رسول الله (ص) طلقك؟ إن كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي! والله لئن طلقك مرة أخرى، لا أكلمك أبداً»(36) . ويؤكد القرطبي أن النبي « تزوجها ثم طلقها »(37) . وتقول رواية أخرى، إن النبي طلّق «حفصة، فأتت أهلها، فأنزل الله تعالى: «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن» [طلاق1]؛ فقيل له: راجعها، فإنها صداقة قوامة، وهي من أزواجك ونسائك في الجنة»(38) . يبدو أن مشكلة حفصة، كانت عائشة: فقد أرادت أن تلعب في حياة النبي ونسائه دور عائشة، دون أن تمتلك ما يؤهلها لذلك. وكما أشرنا، فقد كان عمر، أبوها، يقول لها: «لا يغرنك حب رسول الله عائشة وحسنها أن تراجعيه بما تراجعه عائشة»(39) ؛ أو: «لعلك تراجعين النبي بمثل ما تراجعه به عائشة؛ إنه ليس لك مثل حظوة عائشة، ولا حسن زينب»(40) . قليلة جداً هي الأخبار حول علاقة عائشة بحفصة: إذا ما استثنينا قصة مارية. من ذلك، ما قالته عائشة: «أهديت لحفصة شاة، ونحن صائمتان، ففطرتني، فكانت ابنة أبيها. فلما دخل علينا رسول الله (ص)، ذكرنا ذلك له، فقال: أبدلا يوماً مكانه»(41) . ومرة أخرى، «دخلت حفصة على عائشة، زوج النبي (ص)، وعلى حفصة خمار رقيق، فشقته عائشة، وكستها خماراً كثيفاً»(42) . - ولا نعرف إذا كان ذلك يوحي برقة الدين عند حفصة: أم بشيء آخر!! رغم العلاقة الحميمة الشهيرة التي ربطت عائشة بحفصة، فقد كان لا بد من حضور غيرة الأولى، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالتنافس على قلب النبي: «قالت عائشة: كان رسول الله (ص) إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة على عائشة وحفصة، فخرجتا معه جميعاً. وكان رسول الله (ص) إذا كان بالليل، سار مع عائشة يتحدّث معها، فقالت حفصة لعائشة: ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك، فتنظرين وأنظر؟ قالت: بلى! فركبت عائشة على بعير حفصة، وركبت حفصة على بعير عائشة، فجاء رسول الله (ص) إلى حمل عائشة وعليه حفصة، فسلّم ثم سار معها، حتى نزلوا وادياً، فافتقدته عائشة، فغارت، فلما نزلوا جعلت تجعل رجليها بين الأذخر، وتقول: يا ربّ، سلّط عليّ عقرباً أو حية تلدغني؛ رسولك ولا أستطيع أن أقول شيئاً»(43) .
د عائشة... وأم سلمة
في السنة الرابعة للهجرة على الأرجح، «تزوج رسول الله (ص) أم سلمة بنت أبي أمية، ودخل بها»(44) . «واسمها هند... وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد... [والذي] شهد بدراً... وأصابته جراح يوم أحد، فمات منها، وكان ابن عمة رسول الله ورضيعه... فتزوجها [النبي] قبل الأحزاب سنة ثلاث»(45) للهجرة. لقد أحدث زواج النبي بأم سلمة شرخاً في علاقته بعائشة. يذكر المنتظم(46) عن النبي قوله: «إن لعائشة مني شعب ما نزلها مني أحد. فلما تزوج أم سلمة، سئل، فقيل: يا رسول الله! ما فعلت الشعب؟ فسكت، فعرف أن أم سلمة قد نزلت عنده». بالمقابل، تقول عائشة ذاتها: «لما تزوج رسول الله (ص) أم سلمة، حزنت حزناً شديداً، لما ذكر الناس جمالها. فتلطفت حتى رأيتها، فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال، فذكرت ذلك لحفصة، وكانتا يداً واحدة، فقالت: والله إن هذه إلا الغيرة؛ ما هي كما تقولين! فتلطفت لها حفصة حتى رأتها، فقالت: والله ما هي كما تقولين ولا قريب، وإنها لجميلة»(47) . ويضيف مصدر آخر، أن عائشة قالت، رداً على ما ذكرته لها حفصة: «فرأيتها بعد، فكانت - لعمري - كما قالت حفصة، ولكني كنت غيرى»(48) . من أبرز سمات الغيرة عند عائشة، تكسيرها لصحف نساء النبي الأخريات. يذكر النسائي(49) ، على سبيل المثال، عن أم سلمة، «أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله (ص) وأصحابه، فجاءت عائشة (رض) مستترة بكساء، ومعها فهر، فتلقت به الصحفة، فكسرتها، فجمع رسول الله (ص) بين فلقتي الصحفة، يقول: غارت أمكم، غارت أمكم». بالمقابل، فإن أم سلمة اعتذرت بادئ ذي بدء عن الزواج بالنبي، متذرعة أيضاً بأنها «غيرى»(50) . يروي ابن سعد(51) الحكاية التالية، نقلاً عن عائشة: «دخل عليّ يوماً رسول الله (ص)، فقلت: أين كنت منذ اليوم؟ قال: يا حميراء، كنت عند أم سلمة! فقلت: ما تشبع من أم سلمة؟! فتبسم، فقلت: يا رسول الله، ألا تخبرني عنك لو أنك نزلت بعدوتين إحداهما لم ترع والأخرى قد رعيت، أيهما كنت ترعى؟ قال: التي لم ترع. قلت: فأنا ليس كأحد من نسائك». بالمقابل، فعلى ما يبدو لم تكن أم سلمة ترتاح لعائشة. فذات مرّة قال لها النبي: «يا أم سلمة، لا تؤذيني [في عائشة]، والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها»(52) . وهكذا يذكر البخاري في صحيحه(53) «أن نساء رسول الله (ص) كن حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة؛ والحزب الآخر، أم سلمة وسائر نساء رسول الله (ص)». وفي الصراع المادّي بين الحزبين، كانت أم سلمة الناطق باسم حزبها ضد عائشة، التي كان المسلمون يخصون النبي بهداياهم في يومها(54) . المغافير... أيضاً: يبدو أن أسطورة المغافير، التي لم تنج من براثنها معظم نساء النبي، طاولت أيضاً، في إحدى نسخها، أم سلمة. روى ابن سعد في طبقاته(55) ، نقلاً عن عائشة: «كان رسول الله قلّ يوم إلاّ وهو يطوف على نسائه، فيدنو من أهله، فيضع يده! ويقبّل كلّ امرأة من نسائه! حتى يأتي على آخرهن، فإن كان يومها قعد عندها، وإلا قام! فكان إذا دخل بيت أم سلمة، يحتبس عندها. فقلت [عائشة]، أنا وحفصة، وكانتا جميعاً يداً واحدة: ما نرى رسول الله يمكث عندها إلا أنه يخلو عندها - تعنيان الجماع! - واشتد ذلك علينا حتى بعثنا من يطلع لنا ما يحبسه عندها، فإذا هو صار إليها، أخرجت له عكة من عسل، فتحت له فمها، فيلعق منه لعقاً: كان العسل يعجبه. فقالتا: ما من شيء نكرّهه إليه حتى لا يلبث في بيت أم سلمة. فقالتا: ليس شيء أكره إليه من أن يقال له: نجد منك ريح. فإذا جاءك فدنا منك، فقولي: إني أجد منك ريح شيء؛ فإنه يقول: من عسل أصبته عند أم سلمة. فقولي له: ما أرى نحله إلا جرس عرفطاً! فلما دخل على عائشة، فدنا منها، قالت: إني لأجد منك شيئاً، ما أصبت؟ فقال: عسل من بيت أم سلمة. فقالت: يا رسول الله! أرى نحله جرس عرفطاً. ثم خرج من عندها، فدخل على حفصة، فدنا منها، فقالت مثل الذي قالت عائشة. فلما قالتا جميعاً، اشتد عليه، فدخل على أم سلمة بعد ذلك، فأخرجت له العسل، فقال: أخّريه عني، لا حاجة لي فيه. فقالت[عائشة]: فكنت والله أرى أن قد أتينا أمراً عظيماً - منعنا رسول الله شيئاً كان يشتهيه». ومضات أخلاقية: حدث آخر يذكره أحمد في مسنده(56) نقلاً عن عائشة، يلقي بعض الضوء على السوية الأخلاقية الرفيعة التي كانت سائدة في البيت النبوي. قالت عائشة: «كانت عندنا أم سلمة، فجاء النبي (ص) عند جنح الليل فذكرت شيئاً صنعه بيده، وجعل لا يفطن لأم سلمة، وجعلت أومئ إليه، حتى فطن. قالت أم سلمة: أهكذا الآن! أما كانت واحدة منا عندك إلا في خلابة كما أرى! وسبّت عائشة!!! وجعل النبي (ص) ينهاها، فتأبى!!! فقال النبي (ص) [لعائشة]: سبيها!!!! فسبتها!!!! حتى غلبتها(57) !!!! فانطلقت أم سلمة إلى عليّ وفاطمة، فقالت: إن عائشة سبتها، وقالت لكم وقالت لكم. فقال عليّ لفاطمة: اذهبي إليه، فقولي: إن عائشة قالت لنا، وقالت لنا! فأتته، فذكرت ذلك له! فقال لها النبي (ص): إنها حبّة أبيك وربّ الكعبة. فرجعت إلى علي، فذكرت له الذي قال لها فقال: أما كفاك ألا أن قالت لنا عائشة وقالت لنا، حتى أتتك فاطمة فقلت لها: إنها حبة أبيك، ورب الكعبة». - والواقع أن عليّ وفاطمة كانا من أكبر الداعمين لحزب أم سلمة، التي ظلت بجانبه حتى موته. أخيراً، يبدو أن أم سلمة ظلت تنافس عائشة على قلب النبي حتى لحظاته الأخيرة. إذ لما «همّ رسول الله أن يطلّق بعضهن [نساؤه]، جعلنه في حلّ لما خشي أزواج النبي أن يفارقهن، قلن: إرض لنا من نفسك ومالك ما شئت! فأمره الله، فأرجأ خمساً، وآوى أربعاً»(58) . وكان الأمر في آية: «ترجئ من تشاء منهن»(59) [أحزاب 51]. ورغم الاختلاف في اللاتي عزلهن، إلا أن هنالك شبه إجماع على أنه ظل يأتي «عائشة وأم سلمة»(60) . هـ عائشة... وزينب بنت جحش في السنة الخامسة للهجرة، «تزوج رسول الله (ص) زينب بنت جحش»(61) . و«كانت ممن هاجر مع رسول الله (ص)، وكانت امرأة جميلة(62) »(63) .كانت زينب متزوجة قبل النبي من زيد بن حارثة: فمن هو زيد، وكيف تزوجته زينب؟ زيد بن حارثة هو «رجل من بني كلب سُبي صغيراً. وكانت العرب في جاهليتها يتغاورون ويتسابون. فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة. فلما تزوجها محمد (ص)، وهبته له. وطلبه أبوه وعمّه، فخُيّر، فاختار رسول الله (ص)، فأعتقه. وكانوا يقولون: زيد بن محمد»(64) . «خطب رسول الله (ص) زينب بنت جحش، بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، على مولاه زيد بن حارثة، فأبت، وأبى أخوها عبد الله، فنزلت! [الآية 36 من الأحزاب: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً»]، فقالا: رضينا يا رسول الله! فأنكحه إياها، وساق عنه إليها مهرها: ستين درهماً، وخماراً وملحفة وإزاراً، وخمسين مدّاً من طعام، وثلاثين صاعاً من تمر»(65) . وتؤكد رواية أخرى الأحداث السابقة، فتقول: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. المؤمن: عبد الله بن جحش؛ والمؤمنة: زينب أخته، في الزواج من زيد»(66) . ويفصّل ابن كثير المسألة في تفسيره(67) ، فيقول: ««وما كان لمؤمن ولا مؤمنة»، وذلك أن رسول الله (ص) انطلق يخطب على فتاه، زيد بن حارثة (رض)، فدخل على زينب بنت جحش الأسدية (رض)، فخطبها، فقالت: لست بناكحته! فقال رسول الله (ص): بل فانكحيه! قالت: يا رسول الله، أؤامر في نفسي؛ فبينما هما يتحدّثان، أنزل الله هذه الآية على رسول الله... فقالت: قد رضيته لي يا رسول الله منكحاً... [وفي رواية]، قالت: أنا خير منه حسباً. وكانت امرأة فيها حدّة». و «أصدقها عشرة دنانير وستين درهماً، وخماراً وملحفة ودرعاً، وخمسين مدّاً من طعام، وعشرة أمداد من تمر»(68) . ويضيف القرطبي في تفسيره للآية 36 من الأحزاب ما يلي: « أن رسول الله (ص) خطب زينب بنت جحش، وكانت بنت عمته، فظنت أن الخطبة لنفسه. فلما تبين أنه يريدها لزيد، كرهت وأبت وامتنعت، فنزلت الآية، فأذعنت زينب وتزوجته. وفي رواية [أخرى]: فامتنعت وامتنع أخوها عبد الله لنسبها من قريش، وأن زيداً كان بالأمس عبداً، إلى أن نزلت هذه الآية ». ورغم أن ذلك يتناقض تماماً مع سياق آيات السورة، إلا أن القرطبي يضيف في الموضع ذاته رواية تقول: « إنها نزلت في أم كلثوم بنت أبي معيط(69) ، وكانت وهبت نفسها للنبي (ص)، فزوجها من زيد بن حارثة، فكرهت ذلك هي وأخوها ». ويذكر الطبري في تفسيره للآية الآنفة الذكر نصاً مطابقاً لنص ابن كثير؛ ونصاً آخر قريباً من نص رواية القرطبي الأولى. دون أن ينسى طبعاً إشارة سريعة لحكاية أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط. زواجها من النبي: بعد أن تزوج زيد من زينب، «جاء رسول الله (ص) بيت زيد بن حارثة، وكان زيد ابن حارثة إنما يقال له: زيد بن محمد! فربما فقده رسول الله (ص) الساعة، فيقول: أين زيد؟ فجاء منزله يطلبه، فلم يجده، وقامت إليه زينب بنت جحش فضلاً، فأعرض عنها رسول الله (ص)، فقالت: ليس هو هاهنا! يا رسول الله! ادخل!... فأبى... وإنما عجّلت زينب أن تلبس حين قيل لها: رسول الله (ص) على الباب، فوثبت عجلة، فأعجبت!! رسول الله (ص)، فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم، إلا أنه أعلن: سبحان الله العظيم! سبحان الله مصرف القلوب!... فجاء زيد... فقال له: لعل زينب أعجبتك؟... فقال رسول الله (ص): أمسك عليك زوجك... ففارقها زيد، واعتزلها، وحلّت... فبينا رسول الله (ص) يتحدّث مع عائشة، إذ أخذت رسول الله (ص) غشية، فسرّى عنه وهو يبتسم، ويقول: من يذهب إلى زينب يبشرها، يقول: إن الله!!! زوجنيها؟»(70) . وتقول رواية أخرى: «كان النبي (ص) قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله (ص) يوماً يريده، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر، فانكشفت وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي (ص)، فلما وقع ذلك، كُرِّهت إلى الآخر... فجاء، فقال: يا رسول الله! إني أريد أن أفارق صاحبتي»(71) . وتقول رواية ثالثة: «إن رسول الله (ص) أبصرها بعدما أنكحها إياه [زيد بن حارثة]، فوقعت في نفسه، فقال: سبحان الله مقلب القلوب! وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها، ولو أرادتها لاختطبها، وسمعت زينب بالتسبيحة، فذكرتها لزيد، ففطن وألقى الله! في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله (ص)، فقال لرسول الله (ص): إني أريد أن أفارق صاحبتي! فقال [النبي]: مالك، أرابك منها شيء؟ قال: لا والله، ما رأيت منها إلا خيراً، ولكنها تتعظّم عليّ لشرف وتؤذيني. فقال: أمسك عليك زوجك واتق الله! ثم طلّقها بعد؛ فلما اعتدت، قال رسول الله (ص) [لزيد]: ما أجد أحداً أوثق في نفسي منك، اخطب عليّ زينب! قال زيد: فانطلقت، فإذا هي تخمر عجينتها، فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها [هذا يناقض ما قيل حول إيقاع الله لكراهيتها في صدره]، حين علمت أن رسول الله (ص) ذكرها، فوليت ظهري، وقلت: يا زينب! ابشري! إن رسول الله يخطبك. ففرحت، وقالت: ما أنا بصانعة شيء حتى أؤامر ربي [كذا]! فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن «زوجناكها»، فتزوجها رسول الله (ص)، ودخل بها، وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها: ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار»(72) . يذكر الطبري أيضاً، «أن زينب بنت جحش، فيما ذُكر، رآها رسول الله (ص) فأعجبته، وهي في حبال مولاه، فألقي في نفس زيد كراهتها»(73) . ويقول المرجع ذاته في رواية أخرى، «كان النبي (ص) قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله (ص) يوماً يريده، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر، فانكشفت، وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي (ص)»(74) . من ناحية أخرى، يضيف القرطبي تفاصيل أخرى، فيقول: «إنه عليه السلام، أتى زينب يوماً يطلبه [زيد]، فأبصر زينب قائمة، وكانت بيضاء جميلة جسيمة، من أتم نساء قريش، فهويها، وقال: سبحان الله مقلب القلوب! فسمعت زينب بالتسبيحة، فذكرتها لزيد.. وقيل إن الله بعث ريحاً فرفعت الستر، وزينب متفضلة في منزلها، فرأى زينب، فوقعت في نفسه»(75) . إذن، بحسب القرطبي، فإن النبي «وقع منه استحسان لزينب بنت جحش، وهي في عصمة زيد، وكان حريصاً على أن يطلقها زيد، فيتزوجها هو»(76) . لكن الغريب، أن تقول زينب، بحسب القرطبي ذاته: « ولم يستطعني زيد، وما امتنع منه غير ما منعه الله مني فلا يقدر علي. وفي بعض الروايات: أن زيداً تورّم (!!!) منه ذلك، حين أراد أن يقربها»(77) . تقول رواية رابعة عن أنس: «لما انقضت عدّة زينب (رض)، قال رسول الله (ص) لزيد بن حارثة: اذهب فاذكرها علي! فانطلق حتى أتاها، وهي تخمّر عجينتها، قال: فلما رأيتها، عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها؛ وأقول: إن رسول الله (ص) ذكرها! فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب! ابشري! أرسلني رسول الله (ص) يذكرك! فقالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي عز وجلَّ!!! فقامت إلى مسجدها، فنزل القرآن، وجاء رسول الله (ص) فدخل عليها بلا إذن! ولقد رأيتنا حين دخلت على رسول الله (ص) وأطعمنا عليها الخبز واللحم. فخرج الناس وبقي رجال يتحدّثون في البيت بعد الطعام. فخرج رسول الله (ص) واتبعته، فجعل (ص) يتتبع حجر نسائه، يسلّم عليهن، ويقلن: يا رسول الله، كيف وجدت أهلك؟ فما أدري: أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أُخبر؛ فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه، فألقي الستر بيني وبينه، ونزل الحجاب ووعظ القوم بما وعظوا به: «لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم»»(78) . لكن الطبري(79) يذكر أن التي بشّرتها بتدخّل الله ذاته في الأمر هي «سلمى خادم رسول الله (ص)... فأعطتها أوضاحاً عليها». أخيراً، تبسّط إحدى الروايات القصة كلها باختصار مفيد، فتقول: «كان النبي خطبها [زينب] أولاً لمولاه زيد بن حارثة، فترفّعت عليه لشرف نسبها وجمالها، وساعدها أخوها، عبد الله بن جحش، فأنزل الله عز وجل فيهما: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً». فلما سمعت بذلك، رضيا طاعة لله ولرسوله، فأنكحها النبي (ص) زيداً، فمكثت عنده ما شاء الله. ثم رآها النبي (ص) يوماً متزينة، فأعجبته، ورغب في نكاحها، لو طلّقها زيد. فأوقع الله كراهيتها في قلب زيد، فجاء إلى النبي (ص) يستأمره في فراقها، فقال له: أمسك عليك زوجك، واتق الله في طلاقها من سبب. فأبى إلا طلاقها، وطلّقها... ولما انقضت عدّتها، بعثه النبي (ص) إليها ليخطبها له. قال زيد: ما أستطيع النظر إليها إجلالاً للنبي (ص)! فوليتها ظهري، وقلت: يا زينب! أرسلني رسول الله (ص) إليك يذكرك. فقالت: ما أنا بصانعة شيئاً.. أو أمر ربي. فقامت إلى مسجدها، تصلّي الاستخارة... وأنزل القرآن: «فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها»»(80) . نسف التبنّي: كان طبيعياً بالتالي أن يكمل الله معروفه، بعدما زوّج زبنب مرتين في زمن قياسي، بأن يلغي التبنّي، مرّة وإلى الأبد: حتى لا يقال إن محمداً تزوج زوجة ابنه.يروي النسائي(81) : «تبنّى رسول الله (ص) زيداً، وكان من تبنّى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس ابنه، فورث في ميراثه» ؛ ثم يكمل(82) : «فلما أنزل الله عز وجل : «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله» ، ردّ كلّ أحد ينتمي من أولئك إلى أبيه ، فإن لم يكن يعلم أبوه ردّه إلى مواليه». ويروي مسلم(83) عن عائشة، قولها: «لو كان رسول الله (ص) كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية: «وإذ تقول للذي أنعم الله عليه» - يعني: بالاسلام؛ «وأنعمت عليه» - يعني: بالعتق، فأعتقته؛ «أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه» ؛ إلى قوله: «وكان أمر الله مفعولا». وإن رسول الله (ص) لما تزوجها [زينب]، قالوا: تزوج حليلة ابنه! فأنزل الله: «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين». وكان رسول الله تبناه وهو صغير، فلبث حتى صار رجلاً، يقال له: زيد بن محمد! فأنزل الله: «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم»، فلان مولى فلان وفلان أخو فلان، «هو أقسط عند الله»، يعني: أعدل». ويقول القرطبي إن الآية السابقة نزلت « لما تزوج [النبي] زينب بنت جحش، قال الناس: تزوج امرأة ابنه »(84) . ويقول ابن كثير(85) في تفسيره للآية 40 من سورة الأحزاب: «وما جعل أدعياءكم أنبياءكم»: «نزلت في شأن زيد بن حارثة (رض)، مولى النبي (ص)، كان النبي قد تبناه قبل النبوة، فكان يقال له: زيد بن محمد! فأراد الله تعالى أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة». وبرأي ابن كثير(86) أيضاً، أن الله قال: «لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً»، إنها نزلت حين «تزوج رسول الله (ص) بزينب بنت جحش مطلقة زيد بن حارثة (رض)». هنا، لا بدّ من تقديم الملاحظات التالية: 1 - زينب بنت جحش هذه ليست سوى امرأة بيضاء سمينة، جميلة بمعايير ذلك الزمان - وتلك هي ميزتها الوحيدة. وزواج النبي بها لم تكن له أدنى فائدة إن على الصعيد الاجتماعي أو السياسي. 2 - تدخل الإله مرتين على الأقل في الشؤون العاطفية لهذه المرأة غير المتميزة. بل يقال إنه تدخل ثلاث مرات، إذا ما أضفنا إلى ما سبق، تدخله في مسألة الحجاب، بعد أن تزوجها النبي وأراد الخلو بها، وتابع بعض الثقلاء جلوسهم(87) . لكن المسألة الأخيرة غير متفق عليها بالكامل إسلامياً كعلّة لفرض الحجاب. 3 - كان زواج زينب من زيد وطلاقها منه ثم زواجها من النبي سريعاً للغاية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الآيات المواكبة لتلك الأحداث تنتمي كلها إلى نص موحد، صغير في سورة الأحزاب (36 - 39). 4 - نلاحظ أيضاً أن النبي أرسل زوج زينب السابق إليها كي يخطبها عليه؛ وفي هذا، برأينا، نوع من الإذلال لزيد لا يُضاهى. 5 - يبدو أن زينب كانت متأكدة، بدورها، من أن الله لن يعاند النبي في أي شيء. وهكذا، كان منطقياً أن تشترط، بعناد غريب، أنها لن تتزوجه حتى يأمرها ربها. فكما أمرها بالزواج من زيد، لا بد أن يأمرها بالزواج من والده بالتبني ونبيه وسيده. وهذا ما كان. صراع الامرأتين: ما أن أُعْلن أنّ الله بذاته هو الذي يأمر النبي بالزواج من زينب، حتى قالت عائشة كالعادة: «وأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها، ما صنع لها: زوجها الله عزّ وجل من السماء! وقلت: هي تفخر علينا بذلك»(88) . واستدارت عائشة من ثم إلى النبي، قائلة: «ما أرى ربك إلا يسارع في هواك»(89) . باتت عائشة، ليلة زواج النبي من زينب، «فريسة الغيرة»(90) . وإذا كانت عائشة تفخر دائماً على نساء النبي الأخريات بما اختصت به من صفات، فقد جاءت زينب تتباهى بصفة تفوقت بها على كلّ من عداها من نساء النبي. يروي ابن كثير: «أن زينب بنت جحش (رض) كانت تفخر على أزواج النبي (ص)، فتقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله - تعالى - من فوق سبع سماوات»(91) ؛ أو: «إن آباءكن أنكحكن، وإن الله أنكحني إياه»(92) . وهكذا، كانت تختال دائماً، بقولها: «أنا أكرمكن ولياً، وأكرمكن سفيراً»(93) - فوليها هو الله وسفيرها جبريل. وكانت زينب تقول للنبي: « إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك تدل بهن: إن جدي وجدك واحد، وإني أنكحنيك الله من السماء، وإن السفير لجبرائيل (ع) »(94) . إذن، كان لدور الإله في حياة أزواج النبي أهميته الفائقة كمصدر للتفاخر: «روينا عن أم المؤمنين زينب وعائشة (رض) أنهما تفاخرتا، فقالت زينب: زوجني الله وزوجكن أهاليكن! وقالت عائشة: نزلت براءتي من السماء [في حادثة الإفك التي سنناقشها لاحقاً]! فسلّمت لها زينب»(95) . ويقدم لنا القرطبي عرضاً آخر للتفاخر، فيقول: « قالت عائشة: أنا التي جاء بي الملك إلى النبي (ص) في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك [أخرجه الصحيح]. وقالت زينب: أنا التي زوجني الله الله من فوق سبع سماوات »(96) ، ثم يضيف: «كانت زينب تفخر على نساء النبي (ص) تقول: إن الله عز وجل أنكحني من السماء، وفيها نزلت آية بحجاب». وكانت عائشة تقول: «لم يكن أحد من نساء النبي (ص) تساميني في المنزلة عنده إلا زينب بنت جحش»(97) . لقد أدى التنافس على قلب النبي وأموال الجماعة الأولى بين المرأتين إلى حوادث شتى:كانت المادة(98) أهم سبب للصراع بين أزواج النبي، وهو ما تجلّى في الصراع بين عائشة وزينب. وكان عامة الناس، كما أشرنا، «يتحرون بهداياهم يوم عائشة، يبتغون بذلك مرضاة رسول الله (ص)»(99) . بشأن هذه المسألة، يورد البخاري في صحيحه(100) ، نقلاً عن عائشة، الحديث التالي: «إن نساء رسول الله (ص) كن حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر، أم سلمة وسائر نساء رسول الله (ص). وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله (ص) عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله (ص)، أخّرها حتى إذا كان رسول الله (ص) في بيت عائشة، بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله (ص) في بيت عائشة. فكلّم حزب أم سلمة، فقلن لها: كلّمي رسول الله (ص) يكلّم الناس، فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله (ص) هدية، فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه. فكلمته أم سلمة بما قلن، فلم يقل لهن شيئاً. فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئاً! [ولما كررت فعلتها مرتين]، قال لها: لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة. فقالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله! ثم أنهن دعون فاطمة بنت رسول الله (ص)، فأرسلت إلى رسول الله (ص)، تقول: إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر! فكلّمته، فقال: يا بنية، ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى! فرجعت إليهن، فقلن: ارجعي إليه! فأبت أن ترجع. فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته، فأغلظت(101) وقالت: إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي قحافة! فرفعت صوتها، حتى تناولت عائشة وهي قاعدة، فسبتها! حتى أن رسول الله (ص) لينظر إلى عائشة: هل تكلم! فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها». وفي نص النسائي(102) ، تقول عائشة: «فأرسلن زينب بنت جحش، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي (ص)، فقالت: أزواجك أرسلنني، وهن ينشدن العدل في ابنة أبي قحافة. ثم أقبلت عليّ تشتمني!، فجعلت أراقب النبي (ص) وأنظر طرفه: هل يأذن لي من أن أنتصر منها، فاستقبلتها، فلم ألبث أن أفحمتها، فقال لها النبي: إنها ابنة أبي بكر». وفي مسند أحمد(103) ، تقول عائشة: «دخلت عليّ زينب بغير إذن - وهي غضبى - ثم قالت لرسول الله (ص): أحسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكر ذريعيها؟!»(104) . ويروي ابن كثير في تفسيره الحدث السابق بطريقة تختلف قليلاً، نقلاً عن عائشة: «دخل علينا رسول الله (ص) وعندنا زينب بنت جحش (رض)، فجعل النبي (ص) يصنع بيده شيئاً فلم يفطن لها، فقلت بيده حتى فطنته لها فأمسك، وأقبلت زينب (رض) تفحم لعائشة (رض) فنهاها، فأبت أن تنتهي، فقال لعائشة: سبيها! فسبتها!! فغلبتها؛ وانطلقت زينب (رض) فأتت علياً (رض)، فقالت: إن عائشة تقع بكم وتفعل بكم!! فجاءت فاطمة (رض)، فقال (ص) لها: إنها حبة أبيك، ورب الكعبة»(105) . ونلاحظ، بالمناسبة، أن الحديث ذاته مروي عن أم سلمة وعائشة!. نقلاً عن عائشة، يقدّم ابن كثير في تفسيره تفاصيل أخرى في رواية، تقول: «ما علمت حتى دخلت عليّ زينب بغير إذن، وهي غضبى، ثم قالت لرسول الله (ص): حسبك إذا ما قلبت لك ابنة أبي بكر درعها، ثم أقبلت إليّ فأعرضت عنها، حتى قال النبي (ص): دونك فانتصري! فأقبلتُ عليها حتى رأيتُ ريقها قد يبس في فمها، ما تردّ عليّ شيئاً، فرأيت النبي (ص) يتهلل وجهه!!!»(106) . وفي الكشاف(107) ، يقال: «إن زينب أسمعت عائشة بحضرته، وكان ينهاها فلا تنتهي، فقال لعائشة: دونك فانتصري». ويورد ابن سعد(108) عن عائشة، قولها: «إنه أهدي إلى رسول الله هدية في بيتها، فأرسل إلى كلّ امرأة من نسائه بنصيبها، وأرسل إلى زينب بنت جحش، فلم ترض، ثم زاودها مرة أخرى، فلم ترض، فقالت عائشة: لقد أقمأتْ وجهكَ أن ترد عليك الهدية. فقال رسول الله: لأنتن أهون عليّ من أن تقمئني - لا أدخل عليكن شهراً». وتضيف عائشة(109) : «قلت كلمة لم ألق لها بالاً، فغضب علي». وفي ذلك يورد ابن الجوزي(110) الرواية التالية: «قال (ص): ما أنا بداخل عليكن شهراً. قال مؤلف الكتاب: وفي سبب ذلك، قولان: أحدهما - أنه حين حرّم أم ابراهيم، أخبر بذلك حفصة، واستكتمها، فأخبرت بذلك [وهو ما سنناقشه لاحقاً أيضاً]. والثاني، أنه ذبح ذبحاً، فقسمته عائشة بين أزواجه، فأرسلت إلى زينب بنت جحش نصيبها فردته، فقال: زيدوها! فزادوها، ثلاثاً - كلّ ذلك تردّه، فقال: لا أرضى عليكن شهراً. فاعتزل في مشربة له، ثم نزل لتسعِ وعشرين، فبدأ بعائشة (رض)، فقالت: يا رسول الله، كنت أقسمت ألا تدخل علينا شهراً، وإنما أصبحت من تسع وعشرين أعدها عداً! فقال: الشهر تسع وعشرون - وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين». وكانت زينب، برأي عائشة، «فيها سورة من حدّة كانت تسرع فيها الفينة»(111) - وهذا واضح. لم تترك الاثنتان فرصة تمر، دون أن تنال إحداهما من الأخرى. ومن تلك الحوادث النادرة التي وصلت إلينا، ما أخبرنا به ابن هشام من أنه في حادث الإفك، الذي اتهمت فيه عائشة بالزنا، قامت «حمنة بنت جحش [أخت زينب] فأشاعت من ذلك ما أشاعت، تضاري لأختها، فشقيت [عائشة] بذلك»(112) . وبعدما أنزل الله براءة عائشة من السماء أمر النبي بدوره بضرب حمنة هذه، لأنها كانت «ممن أفصح بالفاحشة»(113) . المغافير... أيضاً: لا نعرف مدى أهمية حدث المغافير في التاريخ العربي - الإسلامي حتى دوّن بكل هذه الكثافة في كتب التراث، لكننا نعرف تماماً أن هذا الحدث، وإن اختلف في تفاصيله بين مصدر وآخر، تظل عائشة والعسل قاسماً مشتركاً أعظماً في كلّ رواياته. وكالعادة، أُدخلت زينب في إحدى النسخ. فعلى سبيل المثال، أورد النسائي(114) ، نقلاً عن عائشة: «أن النبي (ص) كان يمكث عند زينب ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت وحفصة، أيتنا ما دخل عليها النبي (ص)، فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير! فدخل على إحديهما، فقالت ذلك له، فقال: بل شربت عسلاً عند زينب؛ وقال: لن أعود له! فنزل: «يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك»، «إن تتوبا»، لعائشة وحفصة، «وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً»؛ لقوله: بل شربت عسلاً»(115) . وماتت زينب. وكانت - لا كما قال البخاري(116) - أول من توفى من نساء النبي بعده. وفي موتها، يذكر مسلم(117) ، نقلاً عن عائشة، قالت: «قال رسول الله (ص): أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً. قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يداً! قالت: فكانت أطولنا يداً زينب، لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق». ويروي ابن سعد(118) : «قال النبي لأزواجه: يتبعني أطولكن يداً! قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد النبي (ص)، نمدّ أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب، يرحمها الله، ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذٍ أن النبي (ص) أراد بطول اليد: الصدقة. قالت: وكانت زينب امرأة صناع اليد، فكانت تدبغ وتخرز وتتصدّق في سبيل الله». يُقَال إن النبي قبيل وفاته، جُعل له الخيار في ترك «مضاجعة من يشاء منهن [نسائه] وتضاجع من تشاء. أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء. أو لا تقسم لأيهن شئت، وتقسم لمن شئت. أو تترك تزوج من شئت من نساء أمتك، وتتزوج من شئت»(119) . وذلك تفسيراً لجملة «ترجئ وتؤوي» في القرآن. ويضيف الزمخشري: «كان النبي (ص) إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها، وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض: لأنه إما أن يطلق، وإما أن يمسك؛ فإذا أمسك ضاجع أو ترك وقسم أو لم يقسم؛ وإذا طلّق وعزل، فإما أن يخلي المعزولة لا يبتغيها، أو يبتغيها؛ روي أنه أرجئ منهن: سودة وجويرية وصفية وميمونة وأم حبيبة؛ فكان يقسم لهن ما شاء، كما شاء، وكانت ممن آوى إليه: عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب (رض). أرجأ خمساً وآوى أربعاً»(120) . بعد موت زينب،لم يبق أمام عائشة سوى امتداحها - لكن دون أن تنسى الطعن بها، وإن بأسلوب ملطف. كانت عائشة تقول: «لم ار قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله عز وجل وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدّق به وتقرب به. ما عدا سورة من حدّة(121) كانت تسرع منها الفينة»(122) .
و عائشة ... وجويرية
جويرية بنت الحارث، شابة ساحرة الجمال، سبيت في السنة السادسة للهجرة، في غزوة بني المصطلق. تحدّثنا عائشة عن هذا الحدث، فتقول: «كان رسول الله (ص) قد أصاب منهم [ بني المصطلق ] سبياً كثيراً، فشا قسمه في المسلمين، وكان فيمن أصيب من السبايا، جويرية بنت الحارث بن ضرار»(123) ؛ وتكمل: «لمّا قسم رسول الله (ص) سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها. وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه(124) . فأتت رسول الله (ص) تستعينه في كتابتها... فوالله ما هو إلا رأيتها على باب حجرتي، فكرهتها، وعرفت أنه سيرى منها (ص) ما رأيت. فدخلتْ عليه، فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، سيّد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعتُ في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له، فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعين على كتابتي! قال: فهل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضي عنك كتابك وأتزوجك! قالت: نعم! يا رسول الله! قال: قد فعلت»(125) . وكان عمر جويرية، آنذاك، عشرين سنة(126) .
ز عائشة... وصفية بنت حيي
ح عائشة... ومارية القبطية
ط عائشة ...وباقي نساء النبي عائشة ...وأم حبيبة بنت أبي سفيان
(1) 5: 438؛ راجع: روضة المحبين 298. (2) مسند الأنصار 24054؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 16: 8: 12: 5. (3) مسند الأنصار 23719؛ راجع: السمط الثمين 25؛ البداية والنهاية 3: 428. (4) راجع: المنتظم 3: 18؛ طبقات ابن سعد 1: 1: 984؛ تاريخ الطبري 2: 280؛ البداية والنهاية 3: 127. (5) السمط الثمين 24. (6) نكاح 1987. (7) الترمذي، مناقب 3810. (8) صحيح البخاري، مناقب 3534؛ راجع: الترمذي، البر والصلة 1940؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 25183. (9) صحيح مسلم، فضائل الصحابة 4466؛ راجع أيضاً، النص ذاته 4465. (10) أسد الغابة 5: 557 - 558؛ البداية والنهاية 3: 128. (11) الآداب المرعية 280 - 281. (12) 3: 344. (13) 10: 192. (14) 2: 36؛ راجع أيضاً: طبقات ابن سعد 8: 43. (15) الزمخشري، الكشاف 3: 552. (16) الزمخشري، الكشاف 3: 552، هامش 3. راجع أيضاً: أسد الغابة 5: 484 - 485. (17) الزمخشري، الكشاف 3: 552، هامش 2. (18) الطبقات 8: 43. (19) أنظر تفسير الآية، مثلاً، عند ابن كثير 1: 852 - 853؛ أو في تفسير الجلالين أو تفسير القرطبي أو تفسير الطبري. (20) الطبقات 8: 43. (21) الطبقات 8: 43. (22) السمط الثمين 103. (23) السمط الثمين 36 - 37؛ راجع: ابن ماجة، نكاح 1962؛ أبو داود، نكاح 1826؛ صحيح البخاري 3: 363. (24) السمط الثمين 103؛ صحيح مسلم، رضاع 2657. (25) طبقات ابن سعد 8: 44. (26) طبقات ابن سعد 8: 44؛ السمط الثمين 105. (27) طبقات ابن سعد 8: 140. راجع: مسند أحمد، مسند الأنصار 23155، 24682، 25126؛ صحيح مسلم، سلام 4034؛ تفسير الجلالين، سورة الأحزاب 59؛ صحيح مسلم، جهاد وسير 4034، 4035؛ صحيح البخاري، استئذان 5771؛ صحيح البخاري، نكاح 4836؛ صحيح البخاري، حيض 526؛ صحيح البخاري، وضوء 143. (28) صحيح مسلم 4034. (29) نسائي، مناسك الحج 4987؛ صحيح مسلم، الحج 2271؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 22888؛ ابن ماجة، مناسك 3018؛ صحيح البخاري، الحج 1568؛ الدارمي، مناسك 1810؛ السمط الثمين 105؛ طبقات ابن سعد 8: 45؛ تفسير ابن كثير 3: 833. (30) 5: 440. (31) السمط الثمين 47. (32) الإصابة 18. (33) تفسير الجلالين، تفسير سورة التحريم، الآية 2. (34) مسند أحمد، مسند الأنصار 23180. (35) راجع تفسير الآية في أغلب التفاسير. أنظر أيضاً فصل «عائشة... ومارية». (36) تفسير ابن كثير 3: 829. (37) تفسير الآية 28 من الأحزاب. (38) تفسير ابن كثير 4: 620. (39) طبقات ابن سعد 8: 152. (40) طبقات ابن سعد 8: 153. (41) مسند أحمد، مسند الأنصار 23942؛ أنظر: السمط الثمين 86. (42) مالك: 1420. (43) صحيح مسلم، فضائل الصحابة 4477؛ هداية الباري 2: 44؛ السمط الثمين 46 - 47. (44) تاريخ الطبري 2: 230؛ راجع أيضاً ترجمتها في: الاستيعاب؛ أسد الغابة؛ الإصابة؛ وطبقات ابن سعد. (45) تاريخ الطبري 2: 414. (46) 3: 208. (47) المنتظم 3: 208. (48) طبقات 8: 75. (49) 2: 159؛ راجع أيضاً: السمط الثمين 81. (50) عيون الأثر 2: 304. (51) طبقات 8: 63 - 64. (52) تاريخ الإسلام للذهبي، عصر معاوية. راجع: صحيح البخاري، فضائل النبي 7: 84 باب فضائل عائشة، الهبة، باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض؛ صحيح مسلم، فضائل الصحابة 2441 مختصراً، 2442 مطولاً. (53) هبة 2393. راجع أيضاً: السمط الثمين 39 - 40. (54) أنظر على سبيل المثال: الترمذي، مناقب 3814؛ أسد الغابة 5: 503؛ البخاري، وصايا 2536. راجع أيضاً فصل «عائشة وزينب بنت جحش». (55) طبقات 8: 136. (56) مسند الأنصار 23838؛ أنظر السمط الثمين 35. (57) في نص النسائي (عشرة النساء 3887)، تقول عائشة: «قال رسول الله (ص): يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما يأتيني الوحي في لحاف امرأة منكن إلا هي». (58) طبقات ابن سعد 8: 158. (59) المرجع السابق. (60) أنظر: الكشاف 3: 552؛ طبقات ابن سعد 8: 158 - 159. (61) تاريخ الطبري 2: 231. (62) راجع ما ذكرناه سابقاً من حديث عمر بن الخطاب لابنته، بعد أن طلقها النبي، بأنه ليس لها « حسن زينب» (طبقات ابن سعد 8: 153). (63) الطبري، المنتخب من كتاب ذيل المذيل 99. (64) الزمخشري، الكشاف 3: 520. (65) المصدر السابق: 3: 539؛ يقول المرجع الشيعي، الميزان في تفسير القرآن: « خطب رسول الله (ص) زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، فاستنكفت منه، وقالت: أنا خير منه حسباً! وكانت امرأة فيها حدّة - فأنزل الله « وما كان لمؤمن ولا مؤمنة »، الآية كلها » (16: 325: 326). (66) أبو الفرج الجوزي، زاد المسير 6: 385. (67) 3: 807 - 808. (68) تفسير ابن كثير 3: 810. (69) هذا ما يذكره أيضاً المرجع الشيعي، الميزان في تفسير القرآن 16: 326. (70) تاريخ الطبري 2: 231 - 232. راجع: المنتخب من كتاب ذيل المذيل (71) تاريخ الطبري 2: 232. (72) الزمخشري، الكشاف 3: 540 - 541. (73) تفسير الآية 37 من سورة الأحزاب في تفسير القرطبي. (74) المرجع السابق. (75) تفسير الآية 37 من سورة الأحزاب في تفسير القرطبي. (76) المرجع السابق. (77) المرجع السابق. (78) تفسير ابن كثير 3: 811. (79) تاريخ 2: 231 - 232. (80) ابن الربيع الشيباني الشافعي، حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار 2: 600 - 602. (81) نكاح 3171. (82) نكاح 3172. (83) تفسير القرآن 3131؛ راجع أيضاً: السمط الثمين 107؛ يقول الميزان في تفسير القرآن: « أنعم النبي عليه زيد بن حارثة، الذي كان عبداً للنبي (ص)، ثم حرره، واتخذه ابناً له » (16: 322). (84) تفسير الآية. (85) 3: 770. (86) 3: 771. (87) «لما تزوج رسول الله (ص) زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، فإذا هو يتهيأ للقيام، فلم يقوموا. فلما رأى ذلك قام؛ فلما قام، قام من قام وقعد ثلاثة نفر؛ فجاء النبي (ص) ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم أنهم قاموا فانطلقوا، فجئت [أنس] فأخبرت النبي (ص)، أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى (أحزاب 53)» (تفسير ابن كثير 3: 831). (88) المنتخب من كتاب ذيل المذيل 100؛ المنتظم 3: 226؛ طبقات ابن سعد 2: 71 - 72؛ 8: 80 - 81. (89) بنت الشاطئ، نساء النبي 167. (90) المصدر السابق. (91) تفسير 3: 811 - 812. (92) أسد الغابة 5: 464. (93) طبقات ابن سعد 8: 73. (94) تفسير القرطبي للآية 37 من الأحزاب. يذكر أيضاً المرجع الشيعي، الميزان في تفسير القرآن، أن زينب كانت تفتخر بأن جدها وجد النبي واحد وأن الله هو الذي زوجها وأن السفير كان جبريل (16: 327). (95) تفسير ابن كثير 1: 677؛ (96) تفسير سورة الأحزاب الآية 37. (97) أسد الغابة 5: 464؛ قريب منه، سيرة ابن هشام 3: 311. (98) جاء في طبقات ابن سعد (8: 130): «كان عامة الناس يتحرون يوم يصير رسول الله إلى عائشة، فيهدون إليه، ويسرّ الأضياف يوم يكون رسول الله (ص) في بيت عائشة، للهداية التي تصير إليها». (99) صحيح مسلم، فضائل الصحابة 4471؛ السمط الثمين 39. (100) الهبة 2393؛ السمط الثمين 39 - 40. (101) في نص آخر من صحيح البخاري (الوصايا 2536)، تقول عائشة: «فأرسن زينب بنت جحش، فأغلظت». (102) عشرة النساء 3884؛ راجع : طبقات ابن سعد 8: 137. (103) مسند الأنصار 23436، 23476. (104) راجع: السمط الثمين 39؛ طبقات ابن سعد 8: 137؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 24019. (105) 4: 189؛ راجع: الكشاف 4: 230؛ قريب من ذلك في السمط الثمين 80.. في أبي داود، الأدب 4252، مع إضافة: وجاء علي (رض) إلى النبي (ص) فكلمه في ذلك. (106) 4: 189. (107) الزمخشري، الكشاف 4: 230. (108) طبقات 8: 152. (109) طبقات ابن سعد 8: 153. (110) المنتظم 3: 361 - 362. (111) السمط الثمين 108. (112) سيرة ابن هشام 3: 312. (113) تاريخ الطبري 2: 270. (114) طلاق 3367. أنظر أيضاً: تفسير الطبري 28 - 156 - 158 ط2؛ الدر المنثور 6: 239؛ الكشاف 4: 564؛ تفسير القرطبي 18: 177؛ تفسير الفخر الرازي 8: 213 ط العامرة؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 66: 292: 11: 2. (115) راجع أيضاً: النسائي، عشرة النساء 899؛ الإيمان والنذور 3735؛ الأشربة 3227 بإضافة: « كان رسول الله (ص) يحب الحلواء والعسل، فذكر بعض هذا الخبر. وكان النبي (ص) يشـتد عليه أن توجد منه الريح». راجع أيضاً: صحيح مسلم، طلاق 2694، حيث يقال: فتواطيت أنا وحفصة. مثله أيضاً، صحيح البخاري، تفسير القرآن 4531. راجع: طبقات ابن سعد 8: 85؛ هداية الباري 2: 100 - 191؛ الكشاف 4: 562 - 563؛ السمط الثمين 81. (116) ذكر البخاري في صحيحه (زكاة 1331) نقلاً عن عائشة : «أن بعض أزواج النبي (ص)، قلن للنبي (ص): أينا أسرع لحوقاً؟ قال: أطولكن يداً. فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يداً، فعلمنا بعد إنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرع لحوقاً به، وكانت تحب الصدقة» (راجع أيضاً: النسائي، زكاة 2494؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23752). وعلى حديث البخاري السابق، يعلق صاحب السمط الثمين، فيقول: «والعجب من البخاري، كيف أنه لم ينبه عليه ولا غيره، وإنما هي زينب.. [التي] توفيت.. سنة عشرين... [في حين ماتت] سودة سنة أربع وخمسين» (ص104). (117) صحيح مسلم، فضائل الصحابة 4490؛ راجع: السمط الثمين 111. (118) طبقات 8: 86؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 18: 111: 18: 11. (119) الكشاف 3: 551 - 552. (120) الكشاف 3: 552؛ راجع أيضاً، تفسير القرطبي للآية 59 من الأحزاب؛ تاريخ اليعقوبي 85:2. (121) تروي عائشة أيضاً (مسند أحمد، مسند الأنصار 23853) «أن رسول الله (ص) كان في سفر له، فاعتل بعير لصفية [زوجة للنبي يهودية]، وفي إبل زينب فضل، فقال لها رسول الله (ص): إن بعيراً لصفية اعتل، فلو أعطيتها بعيراً من إبلك! فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية!؟ فتركها رسول الله (ص) ذا الحجة ومحرم، شهرين أو ثلاثة، لا يأتيها؛ قالت: حتى يئست منه وحولت سريري! قالت: فبينما أنا يوماً بنصف النهار، إذا أنا بظل رسول الله (ص) مقبل». (122) النسائي، عشرة النساء 3883؛ راجع: صحيح البخاري، الوصايا 2563؛ السمط الثمين 38. (123) سيرة ابن هشام 2: 294. (124) بالنسبة لجمال جويرية الساحر، أنظر: تاريخ الإسلام، عصر معاوية، للذهبي 190؛ مسند أحمد 6: 277؛ الروض الآنف للسهيلي 4: 19؛ تاريخ ابن خياط 46؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 12: 295: 3: 18. (125) سيرة ابن هشام 2: 294 - 295؛ راجع أيضاً: طبقات ابن سعد 8: 92 - 93؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 25161؛ المنتظم 3: 219 - 220؛ ابو داود، العتق 3429؛ السمط الثمين 116؛ البداية والنهاية 2: 155؛ أسد الغابة 5: 420؛ المنتخب من كتاب ذيل المذيل 100 - 101؛ تاريخ الطبري 2: 264؛ الكامل في التاريخ 4: 81؛ تاريخ اليعقوبي 2: 53. (126) المنتخب 101. (127) سيرة ابن هشام 2: 295، هامش 1؛ راجع: الروض الآنف 3: 19. (128) الإصابة 8: 126. (129) صيد الخاطر 130. (130) تفسير ابن كثير 3: 823. (131) روضة المحبين 299؛ راجع: السمط الثمين 81؛ ابن ماجه، نكاح 1970. (132) طبقات ابن سعد 8: 99 - 100. (133) الزمخشري، الكشاف 4: 370، هامش 2؛ راجع ايضاً: المستدرك على الصحيحين 4: 29؛ أسد الغابة 5: 491. (134) السمط الثمين 44 - 45. لكن عائشة ذاتها، تروي حكاية مشابهة في مرجع آخر بطريقة مختلفة. راجع الهامش 14 من فصل عائشة وزينب بنت جحش؛ راجع أيضاً: مسند أحمد، مسند الأنصار 23853. (135) أنظر: صحيح البخاري، هبة 2393؛ السمط الثمين 39: 40؛ طبقات ابن سعد 8: 137. (136) طبقات ابن سعد 8: 64؛ راجع ايضاً، المرجع الشيعي، بحار الانوار (56:10:144:75). (137) طبقات ابن سعد 8: 127؛ سنن ابن ماجه، ك النكاح 1980؛ راجع: السمط الثمين 121. (138) الجملة من تفسير ابن كثير 3: 345؛ قريب منه في المرجع الشيعي، بحار الأنوار، 66: 61: 20: 14. (139) الزركشي في الإجابة 73 عن الترمذي. (140) الترمذي، صفة القيامة والرقائق والورع 4226. (141) تفسير ابن كثير 3: 345. (142) السمط الثمين 81. (143) صحيح مسلم، طلاق 2695؛ طبقات ابن سعد 8: 68. (144) مسند أحمد، مسند الأنصار 23969؛ راجع تفسير القرطبي للآية 128 من سورة النساء. (145) يصفه المنتظم (3: 299)، فيقول: «شيخ كبير». (146) المنتظم (3: 299 - 300). (147) المصدر السابق. (148) إنها ليست «سوى جارية قبطية غريبة، أهداها سيّد إلى سيّد» (نساء النبي 217)؛ «سرية للنبي، لم تحظ بقلب أم المؤمنين [زوجة]، لكنها حظيت دونهن جميعاً بشرف أمومتها لابنه ابراهيم» (الاستيعاب 4: 1912). (149) المنتظم (3: 299 - 300). (150) المصدر السابق. (151) المصدر السابق. (152) الطبري، المنتخب من ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين ص109. أنظر أيضاً: أنساب 1: 449 - 450؛ طبقات ابن سعد 8: 153؛ 8: 171؛ السمط الثمين 135؛ ذيل المذيل 9، 80؛ أسد الغابة 5: 543؛ الإصابة 984؛ الأعلام 5: 255. (153) البداية والنهاية 5: 303 - 305؛ راجع أيضاً، تفسير القرطبي للآية 1 من سورة التحريم، حيث يورد النص عن ابن اسحاق. (154) المصدر السابق. (155) البداية والنهاية 5: 303. (156) السمط الثمين 140؛ راجع: طبقات ابن سعد 1: 107، 8: 171؛ أنساب الأشراف 1: 449 - 450؛ الإصابة، ترجمة مارية. (157) المنتظم 3: 345؛ راجع طبقات ابن سعد 1: 108. (158) 4: 562 - 563؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 36: 27: 2: 29؛ 22: 241: 5: 4. (159) وفي رواية أخرى لابن عباس: «وهو يطأ مارية». وتضيف أنه أخبرها بخلافة أبي بكر وعمر بعده. وتجعل عائشة تقول له: لا أنظر إليك حتى تحرّم مارية!!! فحرمها (الكشاف 4: 563). (160) يقول الحسن: «لم يكفّر، لأنه كان مغفوراً له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وإنما هو تعليم للمؤمنين» (الكشاف 4: 563). ويقول مقاتل: «إن رسول الله أعتق رقبة في تحريم مارية» (المرجع السابق). (161) الكشاف 4: 563، هامش 1. (162) تفسير القرطبي لسورة التحريم، الآية 2. (163) في رواية أخرى، عن بعض آل عمر، تقول حفصة: «لقد جئت أمراً ما جئته إلى أحد من نسائك! في بيتي وعلى فراشي وفي دولتي!» (كشاف 4: 563، هامش 2). (164) الكشاف 4: 563. (165) 8 - 150 - 151. (166) طبقات 8: 151. (167) في إحدى الروايات، تقول عائشة: «لا أقبل دون أن تحلف لي! قال: والله، لا أمسها أبداً» (طبقات 8: 151). (168) طبقات 8: 150 - 151. (169) طبقات ابن سعد 8: 149 - 150؛ راجع السمط الثمين 188 - 189. (170) قال مالك بن أنس: «الحرام حلال في الإماء!!! فإذا قال رجل لجاريته؛ أنت حرام عليّ! فليس ذلك بشيء! وإذا قال: والله لا أقربك! فعليه الكفارة» (طبقات 8: 150). (171) تفسير سورة التحريم، الآية 3. (172) تفسير سورة التحريم، الآية 3. (173) 4: 634. (174) 4: 641. (175) 28: 101. (176) في مستدرك الوسائل، يقال: « كان رسول الله (ص) قد خلا بمارية القبطية قبل أن تلد ابراهيم، فاطلعت عليه عائشة، فوجدت عليه، فحلف لها ألا يقربها بعد » (15: 14: 294: 8291). (177) «قال رسول الله (ص): اكتمي علي ولا تذكري لعائشة! فذكرت حفصة لعائشة، فغضبت عائشة، فلم تزل بنبي الله (ص) حتى حلف أن لا يقربها» (طبقات 8: 125 ط أوروبا). (178) تفسير سورة الأحزاب، الآية 1. (179) يذكر هذا أيضاً تفسير الجلالين وتفسير القرطبي وتفسير الطبري في تفسير الآية. (180) راجع: تفسير ابن كثير 1: 639؛ الكشاف 4: 566؛ التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي 4: 131؛ فتح البيان لصديق حسن خان 9: 480؛ تفسير الرازي 8: 332؛ تفسـير أبي السـعود بهامش تفسير الرازي 8: 332؛ الدر المنثور 6: 239 و432؛ تفسير القرطبي 18: 177 و188؛ فتح القدير للشوكاني 5: 250؛ تفسير الطبري 28: 104 - 105؛ صحيح البخاري 3: 137 و138 ك التفسير ب2 وب3؛ 4: 22 ك اللباس، ب ما كان يتجوز رسول الله في اللباس والزينة؛ صحيح مسلم ك الطلاق ح31 و32 و33 و34؛ مسند أحمد 1: 48. (181) تفسير 4: 638. (182) الكشاف 4: 571. (183) أنظر ايضاً بشأن هذه المسألة: الكشاف 4: 566؛ التسهيل لعلوم التنزيل 4: 131؛ تفسير الرازي 8: 332؛ تفسير القرطبي 18: 202؛ فتح القدير 5: 252؛ تفسير ابن كثير 5: 388. (184) يقول ابن أبي الحديد: «وكان من أمرها [عائشة] وأمر حفصة وما جرى لهما مع رسول الله (ص) في الأمر الذي أسرّه على إحداهما، ما قد نطق الكتاب العزيز به. واعتزل رسول الله (ص) نساءه كلهن، واعتزلهما معهن، ثم صالحهن. وطلّق حفصة، ثم راجعها» (شرح نهج 14: 23). (185) تفسير الآية 4 من سورة التحريم. (186) المنتظم 3: 261 - 262. (187) أدب 3240؛ راجع أيضاً: تفسير ابن كثير 4: 638. (188) لكن هذا النص، الذي يُقدّم لنا ضمن سياق الحديث عن سبب نزول الآيات الأولى من سورة التحريم، نجده عند القرطبي والطبري، ضمن إطار تفسيريهما للآية 28 من سورة الأحزاب: بعد أن يقول القرطبي إن بعض نساء النبي « سألنه شيئاً من عرض الدنيا؛ وقيل: زيادة في النفقة؛ وقيل: أذينه بغيرة بعضهن على بعض ». من ناحية أخرى، يحدد الطبري أن عائشة هي التي « سألت رسول الله (ص) شيئاً من عرض الدنيا: إن زيادة في النفقة أو غير ذلك... وقيل سبب ذلك كانت غيرة غائشة غارتها ». وربما أن كثرة هذه التناقضات في محاولات تفسير سبب نزول الآيات الأولى من سورة التحريم، لا توحي إلا بارتباك أصحابها أمام مواجهتهم لوقائع سياق النص، وجهودهم غير المجدية في خلق تفاسير موازية، كالمغافير والنفقة وما شابه، تغطي على الأصل الحقيقي المتعلق بحفصة ومارية وعائشة. وتتفق المصادر الشيعية عموماً بأن سورة التحريم في آياتها الأولى نزلت في مسألة مضاجعة النبي لجاريته في بيت حفصة أو عائشة؛ يقول الميزان على سبيل المثال: « إن تتوبا... اتفق النقل على أنهما عائشة وحفصة زوجا رسول الله (ص) » (19: 331). ويمضي المرجع ذاته مفسراً الآية فيقول: « الصغو الميل، والمراد به الميل إلى الباطل والخروج عن الإستقامة، وقد كان ما كان منهما من إيذائه والتظاهر عليه (ص) من الكبائر، وقد قال تعالى: إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهينا [أحزاب 57]... ». ويناقش الطباطبائي صاحب الميزان هذه القصة بعقلانية مشهودة فيؤكد أن حكاية قول النبي لحفصة بأن أباها وأبا بكر الخليفتان بعده مختلقة تماماً؛ ويدعم رأيه هذا بنص مفاده أن عمر بن الخطاب حين سأله ابن عباس عن المرأتين قال إنهما عائشة وحفصة، دون أن يذكر مسألة الخلافة لا من قريب ولا من بعيد. كذلك ينفي أن تكون لقصة عمر بن الخطاب حول نساء قريش اللواتي تعلمن من نساء المدينة كيف يغلبن أزواجهن أدنى علاقة بسورة التحريم معتمداً في ذلك على حجة منطقية، تفيد بأن التحريم في قصة عمر كان لعامة أزواجه في حين أن التوبة طُلبت من اثنتين فقط؛ راجع الميزان في تفسير القرآن 19: 337 - 339. (189) تفسير 3: 794 - 795. (190) طبقات 8: 146. (191) راجع أيضاً: تفسير ابن كثير 1: 419؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 22921. (192) الكامل في التاريخ 2: 145؛ راجع: تاريخ الطبري 2: 362. (193) طبقات 1: 109. (194) راجع: أنساب الأشراف 1: 449 - 450؛ تاريخ اليعقوبي 2: 87؛ المنتظم 3: 346؛ في نص بحار الأنوار، تقول عائشة للنبي: « إن ابراهيم ليس منك، وإنه من فلان القبطي » 38: 301: 4: 67. (195) 5: 304 - 305؛ يقول مستدرك وسائل الشيعة: « إن عائشة قالت لرسول الله (ص) إن مارية يأتيها ابن عم لها، فلطختها بالفاحشة، فغضب رسول الله (ص) وقال: إن كنت صادقة فأعلميني إذا دخل، فمر صدفة فلما دخل عليها أعلمت رسول الله (ص)، فدعا أمير المؤمنين (ع) وقال: خذ هذا السيف... الخ » (18: 42: 76: 220: 96). (196) الحاكم، المستدرك 4: 39؛ راجع: صحيح مسلم 8: 119، ط مشكول؛ الاستيعاب بهامش الإصابة 4: 411 و412؛ الإصابة 3: 334؛ السـيرة الحلبية 3: 309 و312؛ الكامـل في التارـيخ 2: 212؛ أســد الغابة 5: 542؛ 544؛ = = 2: 268؛ معجم الزوائد 9: 161؛ الدر المنثور 6: 240؛ تاريخ اليعقوبي 87:2؛ من أجل مصادر للشيعة؛ راجع: تفسير القمي 2: 99 و 318؛ تفسير البرهان 3: 126 و 4: 205؛ تفسير نور الثقلين 3: 581؛ تفسير الميزان 15: 103. (197) السمط الثمين 141 - 142. (198) أمالي المرتضى ق1: 57 - 58؛ راجع: الكامل في التاريخ 2: 178؛ تاريخ الطبري 2: 421. (199) المنتظم 3: 300. (200) روضة المحبين 297. (201) ذكره الحافظ بن حجر العسقلاني في الإصابة، وقال: أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر والطبراني في المعجم الكبير. (202) شرح النهج لابن أبي الحديد 3: 296. (203) مسند أحمد، مسند الأنصار 25101؛ يقول بحار الأنوار: « « إن الذين جاؤوا بالإفك » أن العامة روت أنها نزلت في عائشة وما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة، وأما الخاصة فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة » 20: 316: 1: 19. (204) مسند أحمد، باقي مسند الانصار 25101؛ قريب منه أيضاً:سنن أبي داود 2772 . (205) 5: 151 - 152. (206) التمهيد والبيان 209؛ تذكرة خواص الأمة 114؛ راجع أيضاً، بحار الأنوار 33: 562: 722: 30. (207) الكشاف 4: 370. (208) طبقات ابن سعد 8: 115. (209) طبقات ابن سعد 8: 115 أخرجه ابن جرير وغيره؛ راجع: السمط الثمين 128؛ ابن حاكم، المستدرك، ترجمة أسماء بنت النعمان 4: 17؛ المحبر 94 - 95؛ تاريخ الطبري 614:11؛ الطبري في ذيل المذيل 13: 79؛ تاريخ اليعقوبي 2: 85 لكن الرواية هنا تختلف قليلاً حيث يقال إن أسماء استعاذت منه وجونية أخرى زينتها عائشة وحفصة؛ يذكر المرجع الشيعي، الكافي، الحدث لكنه يدعو المـرأة بالعامرية (5: 421: 3)؛ أما المرجـع الشـيعي الآخر، مستدرك الوسائل، فيقول إن اسمها ساه من عامر من بني صعصعة، 14: 2: 278: 17009؛ ويقول إن ابنة الجون من كندة، قالت: « لو كان نبياً ما مات ابنه » (المرجع السابق). (210) طبقات ابن سعد 8: 116. (211) السمط الثمين 126. (212) راجع أيضاً: ابن ماجة، طلاق 2040؛ 2027، حيث يرد اسمها «عمرة بنت الجون». ويقال إن النبي «أمر أسامة أو أنساً فمتعها بثلاثة أثواب رازقية»؛ أنظر: البخاري، طلاق 4852؛ المنتخب من كتاب ذيل المذيل 104 - 106. (213) المنتخب من كتاب ذيل المذيل 105. (214) المتقي الهندي، كنز العمال 6: 294، ح 5084؛ راجع: طبقات ابن سعد 8: 115؛ أسد الغابة 5: 486؛ السمط الثمين 132. (215) النسائي، طلاق 3364. (216) راجع: طبقات ابن سعد 8: 148؛ تاريخ الذهبي 1: 335؛ تاريخ ابن كثير 5: 299؛ تاريخ الطبري 2: 340؛ 596:11؛ الإصابة 4: 392؛ أنساب الأشراف 1: 458. (217) طبقات ابن سعد 8: 154؛ راجع: ابن حجر، الإصابة 4: 362 و 784 و 1347 لكن الاسم مختلف؛ مسند أحمد 6: 132، 261؛ المحبر 411.
|