كان حديث الإفك في السنة
السادسة
للهجرة، في غزوة بني المصطلق.
والقصّة أوردها بنوع من التفصيل، مسلم في صحيحه،
حيث قال، نقلاً عن عائشة: «كان رسول الله (ص) إذا أراد أن يخرج سفراً، أقرع بين
نسائه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها رسول الله (ص) معه... فأقرع بنا في غزوة غزاها،
فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله (ص)، وذلك بعدما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في
هودجي وأنزل فيه مسيرنا، حتى إذا فرغ رسول الله (ص) من غزوه ودنونا من المدينة، آذن
ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني،
أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عقدي من جزع ظفار، قد انقطع، فرجعت، فالتمست
عقدي، فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي، فرحّلوه
على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه.
كانت النساء إذ ذاك خفافاً
لم يهبلن ولم يغشهن اللحم؛ إنما يأكلهن العلقة من الطعام. فلم يستنكر
القوم ثقل الهودج حين رحّلوه ورفعوه. وكنت جارية حديثة السن. فبعثوا الجمل وساروا.
ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيمّمت منزلي
الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني، فيرجعون إلي. فبينا أنا جالسة في منزلي،
غلبتني عيني، فنمت.
وكان صفوان بن المعطّل السلمي
ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني،
فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه حين
عرفني، فخمّرت وجهي بجلبابي. ووالله ما يكلّمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة، غير
استرجاعه، حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى
أتينا الجيش، بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في شأني.
وكان الذي تولّى كبره عبد الله بن أبي بن سلول. فقدمنا
المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهراً، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا
أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله (ص) اللطف الذي كنت
أرى منه حين أشتكي؛ إنما يدخل رسول الله (ص) يسلّم، ثم يقول: كيف تيكم؟ فذاك
يريبني، ولا أشعر بالشرّ! حتى خرجت بعدما نقهت، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع، وهو
مبرزنا، ولا نخرج إلاّ ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا.
وأمرنا أمر العرب الأول في التنزّه. وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها بيوتنا. فانطلقت
أنا وأم مسطح، وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف، وأمّها ابنة صخر بن
عامر، خالة أبي بكر الصدّيق، وابنها مسطّح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب. فأقبلت
أنا وبنت أبي رهم قِبَل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت:
تعس مسطح!
فقلت لها: بئس ما قلت! أتسبّين رجلاً قد شهد بدراً؟ قالت: أي هنتاه! أولم تسمعي ما
قال؟ قلت: وماذا قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً إلى مرضي.
فلما رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ
رسول الله (ص)، فسلّم، ثم قال: كيف تيكم؟ قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ - وأنا حينئذ
أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما - فأذن لي رسول الله (ص).
فجئت أبوي، فقلت لأمي: يا
أمتاه! ما يتحدّث الناس؟ فقالت: يا بنية، هوّني عليك، فوالله لقلّما كانت امرأة قط
وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر، إلا كثرن عليها. قلت: سبحان الله! وقد تحدّث
الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة، حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت
أبكي.
ودعا رسول الله (ص) عليّ بن أبي
طالب وأسامة بن زيد، حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله. فأما أسامة بن زيد،
فأشار على رسول الله (ص) بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من
الود، فقال: يا رسول الله، هم أهلك ولا نعلم إلا خيراً. وأما عليّ بن أبي طالب،
فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك. فدعا رسول
الله (ص) بريرة، فقال: أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ فقالت له بريرة:
والذي بعثك بالحق، إن رأيت أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن،
تنام على عجين أهلها، فتأتي الداجن،
فتأكله. فقام رسول الله (ص) على المنبر، فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال
رسول الله (ص) وهو على المنبر: يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في
أهل بيتي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً! ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا
خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي!
فقام سعد بن أبي معاذ الأنصاري، فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس
ضربنا عنقه، وإن كان من أخوتنا الخزرج،
أمرتنا ففعلنا أمرك! فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج - وكان رجلاً صالحاً ولكن
اجتهلته الحمية
- فقال لسعد بن معاذ: كذبت! لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله!
وقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت! لعمر الله
لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين! فثار الحيّـان الأوس والخزرج، حتى همّوا
أن يقتتلوا. ورسول الله قائم على المنبر. فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا.
[وأخيراً...
تدخّل الله]
وبكيتُ يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم.
ثم بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أنّ البكاء
فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار،
فأذنت لها، فجلست تبكي. فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله (ص)، ثم جلس. ولم
يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء. فتشهد رسول
الله (ص) حين جلس، ثم قال: أمّا بعد، يا عائشة، فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن
كنتِ بريئة، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب،
فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه. فلما
قضى رسول الله (ص) مقالته، قلص دمعي حتى ما أحسّ منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول
الله (ص) فيما قال! فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله (ص)! فقلت لأمي: أجيبي
عني رسول الله (ص)! فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله (ص)! فقلت؛ وأنا جارية
حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن: إني - والله - لقد عرفت أنكم سمعتم بهذا حتى
استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به؛ فإن قلت لكم: إني بريئة! لا تصدقون بذلك! وإن اعترفت
لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة، لتصدقونني. وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا
كما قال
أبو يوسف: «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون».
ثم تحوّلت، فاضطجعت على فراشي، وأنا - والله -
حينئذ أعلم أنّي بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي. ولكن - والله - ما كنت أظن أن ينزل
في شأني وحي يوحى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عزّ وجلّ فيّ بأمر
يتلى. ولكني - والله - كنت أرجو أن يرى رسول الله (ص) رؤيا، يُبرئني الله بها.
فوالله، ما رام رسول الله (ص) مجلسه،
ولا خرج من أهل بيته أحد، حتى أنزل الله عزّ وجلّ على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من
البرحاء عند الوحي، حتى أنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشتات من
ثقل القول الذي أنزل عليه. فلما سري عن رسول الله (ص)، وهو يضحك، فكان أول كلمة
تكلّم بها، أن قال: أبشري يا عائشة! أما الله فقد برّأك! فقالت لي أمي: قومي إليه؛
فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي.
فأنزل الله عزّ وجلّ «إنّ الذين
جاءوا بالإفك عصبة منكم»، عشر آيات.
فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات،
براءتي. فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه
شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ؛ فأنزل الله عز وجل «ولا يأتل أولو الفضل منكم
والسعة أن يؤتوا أولي القربى»، إلى قوله، «ألا تحبّون أن يغفر الله لكم» - قال حبان
بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله - فقال أبو بكر: إنّي
لأحب أن يغفر الله لي! فرجّع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها
منه أبداً.
قالت عائشة: وكان رسول الله (ص) سأل زينب بنت جحش، زوج النبي (ص) عن أمري: ما
علمتِ؟ أو: ما رأيتِ؟ فقالت: يا رسول الله! أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا
خيراً! قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي (ص)، فعصمها الله بالورع.
وطفقت أختها حمنة بنت جحش، تحارب لها، فهلكت فيمن هلك...
[الإفكيون]
كانت عائشة تكره أن يسبّ عندها
حسان [بن ثابت، وهو أحد الذين ساهموا في نشر القصة]، وتقول: فإنه قال:
فإن أبي ووالده وعرضي
|
|
لعرض محمد منكم وقاء
|
وزاد أيضاً...
قالت عائشة: والله إنّ الرجل
الذي قيل له ما قيل، [أي: صفوان بن المعطل]، ليقول: سبحان الله! فوالذي نفسي بيده،
ما كشفت عن كنف أنثى قط! ثم قتل بعد ذلك شهيداً، في سبيل الله!...
وكان الذي تكلموا به، مسطح
وحمنة وحسان،
وأما المنافق عبد الله بن أبي، فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره، وحمنة».
ويضيف ابن هشام،
إنّ النبي «خرج إلى الناس، فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله عليه في القرآن من ذلك،
ثم أمر بمسطح بن أثانة وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة،
فضربوا حدّهم».
لكن ألا يحق لنا أن نتساءل: ما
هو سرّ تدخل الله الغريب هذا في تهمة تخصّ مراهقة لم تبلغ الخامسة عشر من العمر -
تهمة عادية في ذلك الزمان - (وقد صوبتها عائشة بعد ذلك، كما لاحظنا، لمارية ذاتها،
لكن الغريب أن النبي لم يضربها الحدّ) نظراً لنوعية العلاقات في المجتمع الإسلامي
الأول؟ وهل مسألة الإفك التي يبذل التراثيون الإسلاميون أقصى جهدهم لإزالة كلّ
ملابساتها عن عائشة، والتي لا تتعدّى كونها علاقة عابرة بين رجل وامرأة لم تؤذ
أحداً، أكثر شناعة من يوم الدار وحرب الجمل حيث قتل ألوف المسلمين وتحطّم النظام
الراشدي؟ ولماذا لم يتدخل الإله أيضاً لإزالة الشبهات عن عائشة في تلك الحوادث
الرهيبة؟
ذيول إفكية
قال
ابن عبّاس: «من أذنب ذنباً، ثم تاب منه، قبلت توبته: إلا من خاض في أمر عائشة! وهذه
منه مبالغة وتعظيم لأمر الإفك».
وكان
النبي يقول عن صفوان بن المعطّل: «إن صفوان خبيث اللسان، طيب القلب».
من ناحيته، كان حسّان، شاعر النبي، قد هجا
صفوان بقوله:
«أمسى الجلابيب قد عزوا
وقد كثروا
|
|
وابن الفريعة أمسى بيضة
البلد»
|
تقول
إحدى الروايات، «إنّ ثابت بن عيسى بن الشماس وثب على صفوان بن المعطّل، حين ضرب
حسّان، فجمع يديه إلى عنقه بحبل، ثم انطلق به إلى دار بني الحارث ابن الخزرج، فلقيه
عبد الله بن رواحة، فقال: ما هذا؟ قال: أما أعجبك ضرب حسان بالسيف؟! والله ما أراه
إلا قد قتله؛ قال له عبد الله بن رواحة: هل علم رسول الله (ص) بشيء مما صنعت؟ قال:
لا والله! قال: لقد اجترأت، أطلق الرجل! فأطلقه. ثم أتوا رسول الله (ص)، فذكروا له
ذلك، فدعا حسّان وصفوان بن المعطّل؛ فقال ابن المعطّل: يا رسول الله، آذاني وهجاني،
فاحتملني الغضب، فضربته! فقال رسول الله (ص) لحسان: أحسن يا حسّأن، أتشوهت على قومي
إذ هداهم الله للإسلام؟! ثم قال: أحسن يا حسان في الذي أصابك! قال: هي لك يا رسول
الله».
ويذكر
ابن كثير: «ثم أنّ صفوان بن المعطّل اعترض حسّان بن ثابت بالسيف، حين بلغه ما
كان يقول فيه، فضربه ثم قال:
تلقَ ذباب السيف عني
فإنني
|
|
غلام إذا هوجيت لست بشاعر
|
فذُكر ذلك لرسول الله (ص)، فدعا حسّان وصفوان بن
المعطّل، فقال صفوان: هجاني يا رسول الله وآذاني، فضربته؛ فقال رسول الله (ص)
لحسّان: أحسن يا حسّان. قال: هي لكَ يا رسول الله؛ فأعطاه رسول الله (ص) عوض عنها
بيرحاء، وهي قصر بني حديلة؛ وأعطاه سيرين، أمة قبطية، وهي أخت مارية، أم ابراهيم ابن رسول الله،
فولدت له عبد الرحمن».
وفي رواية من أسد الغابة، يقال: «إن رسول الله (ص) جلد الذين قالوا لعائشة ما قالوا، ثمانين
جلدة: حسّان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش. وكان حسّان ممن خاض في الإفك، فجُلد فيه في قول بعضهم: وأنكر قوم ذلك،
وقالوا: إن عائشة كانت في الطواف ومعها أم حكيم بن خالد بن العاص، وأم حكيم بن عبد
الله... فذكرتا حسّان، فسبّتاه، فقالت عائشة: إني لأرجو أن يدخله الله الجنّة بذبّه
عن النبي (ص) بلسانه! أليس هو القائل:
فإن أبي ووالده وعرضي
|
|
لعرض محمد منكم وقاء
|
وبرّأته من أن يكون افترى عليها.
فقالتا: ألم يقل فيك؟ فقالت: لم يقل شيئاً؛ لكنه الذي يقول:
حسان رزان ما تزن بريبة
|
|
وتصبح غرثى من لحوم
الغوافل
|
فإن كان ما قد قيل عني
قلته
|
|
فلا رفعت سوطي إلى
أناملي»
|
وفي نص ابن هشام، «أن امرأة مدحت حسان بن ثابت عند عائشة، فقالت:
حسان رزان ما تزن بريبة
|
|
وتصبح غرثى من لحوم
الفوافل
|
فقالت عائشة: لكن أبوها».
شبق ابن
المعطّل:
مقابل أسطورة بتولية ابن المعطّل التي روّجت لها
عائشة، تذكر لنا مصادر إسلامية نصّاً معارضاً، يقدّم ابن المعطّل، كائناً مسكوناً
بالشبق. يقول ابن منظور، على سبيل المثال: «جاءت امرأة إلى رسول الله (ص)، فقالت: يا رسول
الله، إن زوجي صفوان بن المعطّل... يفطرني إذا صمت... وصفوان عنده... فسأله عمّا
قالت، فقال: يا رسول الله... أما قولها يفطرني إذا صمت، فإنها تنطلق فتصوم، وأنا
رجل شاب فلا أصبر». ويكمل أبو داود
: «فقال رسول الله (ص): لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها».
إدخال الله في
تفاخر النساء
كما أشرنا، فإن تدخّل الله في
القضايا الشخصية لزوجات النبي، كان موضع تفاخر بينهن. يذكر ابن كثير في تفسيره: «تفاخرت زينب وعائشة (رض)، فقالت زينب: أنا التي نزل تزويجي من
السماء!!! وقالت عائشة: أنا التي نزل عذري في كتاب الله!!! حين حملني صفوان بن
المعطّل على الراحلة! فقالت لها زينب: يا عائشة! ما قلت حين ركبتها؟ قالت، قلت:
حسبي الله ونعم الوكيل!».
من
ناحية أخرى، يبدو أنه كان يحق لعائشة تفاخر إضافي في حديث غير إفكي، لعب فيه ضياع
العقد ، الذي كان سبب المشكلة في الحدث الإفكي ، والإله ، الذي حلّ المشكلة الإفكية
، الدورين الرئيسين. يذكر النسائي
عن عائشة، قولها: «خرجنا مع رسول الله (ص) في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو
ذات الجيش، انقطع عقد لي. فأقام رسول الله (ص) على التماسه، وأقام الناس معه،
وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. فأتى الناس أبا بكر (رض)، فقالوا: ألا ترى ما صنعت
عائشة؟ أقامت برسول الله (ص) وبالناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر
(رض) ورسول الله (ص) واضع رأسه على فخذي، قد نام، فقال: حبست رسول الله (ص) والناس،
وليسوا على ماء وليس معهم ماء... فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء أن يقول، وجعل يطعن
بيده في خاصرتي، فما منعني من التحرّك إلاّ مكان رسول الله (ص) على فخذي. فنام رسول
الله (ص) حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم. فقال أسيد بن حضير: ما هي
بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته».
رواية أخرى، تقدّم تفاصيل إضافية، نجدها في
المرجع
ذاته: تقول عائشة «إنّها استعارت من أسماء [أختها] قلادة، فهلكت، فأرسل
النبي (ص) أناساً في طلبها، فأدركتهم الصلاة، فصلّوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي،
شكوا ذلك إليه، فنزلت آية التيمم. فقال أسيد بن حضير: جزاكِ الله خيراً! فوالله ما
نزل بك أمر قط إلا جعل الله!!! لكِ مخرجاً وجعل للمسلمين فيه بركة».
ذَكَر آخر:
تدخّل إضافي لله
طلحة بن عبيد الله هو ابن عم لعائشة؛ وهو الذي حاولت
إيصاله، بكلّ الطرق، إلى سدّة الخلافة، وحاربت لأجل ذلك، كما لاحظنا، عليّ بن أبي
طالب، في حرب الجمل. يروى
«أن طلحة، لما نزلت آية الحجاب، قال بمحضر نقل عنه إلى رسول الله (ص): ما الذي
يغنيه من حجابهن اليوم؟ فسيموت غداً، فننكحهن». وذكر الزمخشري في الكشاف، إنّ بعضهم قال بعد نزول آية الحجاب: «أنُنهى أن نكلّم بنات عمنا إلا
من وراء حجاب؟! لئن مات محمد لأتزوجن عائشة... [وهو] طلحة، قال: لو قد مات محمد،
لأتزوجن عائشة (رض). فأنزل الله تعالى:«وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله» [أحزاب
53]». ويفسّر ابن كثير
الآية السابقة، فيقول: «نزلت في رجل [يقول ابن سعد: «نزلت في طلحة بن عبيد الله
لأنه قال: إذا توفي رسول الله تزوجت عائشة»]، همّ أن يتزوج بعض نساء النبي (ص)
بعده؛ فقال رجل لسفيان: أهي عائشة؟ قال:ذكروا ذلك.. وذكروا بسنده عن السدي أنّ الذي
عزم على ذلك طلحة
بن عبيد الله».
وتقول رواية أخرى: «إنّ رجلاً أتى بعض أزوج النبي (ص)، فكلّمها وهو ابن عمها، فقال النبي
له: لا تقومنّ هذا المقام بعد يومك هذا. فقال: يا رسول اللّه ! إنّها ابنة عمي،
والله ما قلت منكراً ولا قالت لي. قال النبي (ص): قد عرفتَ أنه ليس أغير من الله،
وليس أحد أغير مني. فمضى الرجل، ثم قال: يمنعني من كلام ابنة عمّي، والله لأتزوجنها
من بعده. وسمّت الروايات الرجل وهو طلحة بن عبيد الله، وسمّت أم المؤمنين عائشة...
وبلغ النبي (ص) أن رجلاً، يقول: لو قد توفي النبي (ص)، تزوجت فلانة بعده، فنزلت
آية: «وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله». وقال ابن عباس: نزلت في رجل همّ أن يتزوج
بعض نساء النبي (ص) بعده. وذكروا أنها عائشة؛ وأخرج عن السدي، قال: بلغنا أنّ طلحة
بن عبيد الله، قال: أيحجبنا عن بنات عمّنا ويتزوج نساءنا! لئن حدث به ما حدث،
لنتزوجّن نساءه بعده».