الفهرس

 ملحق: عائشة... وحب المال

عائشة... وحبّ المال

لقد رأينا كم كانت عائشة تحبّ المال، وكيف كان جوهر ثورتها على عثمان إنقاصه إياها العطاء الذي اعتاد أن يعطيها، عمر بن الخطاب! وتخبرنا الروايات أنها منذ عهد النبي، كانت مجبولة على حب المال. فحين فتحت خيبر، قالت عائشة بفرح: «الآن نشبع من التمر»(1) . وكان النبي قد أعطاها من أموال خيبر، ثمانين وسقاً من التمر، وعشرين وسقاً شعير؛ وقيل: قمح(2) .

يبدو أن حياتها في البيت النبوي لم تكن تقشفية إطلاقاً، بعكس ما يحاول الإسلاميون الحاليون ترويجه الآن. تقول عائشة في إحدى الروايات، على سبيل المثال: «خرجنا مع رسول الله (ص) حتى إذا كنا بالقاحة سال على وجهي من رأسي من الطيب حين خرجت، فقال النبي (ص): إنّ لونك يا شقيراء لحسن»(3) ؛ ويروى أن النبي، قبيل وفاته، «قال لعائشة - وهي مسندته إلى صدرها: يا عائشة، ما فعلت تلك الذهب؟ قالت: هي عندي! قال: فأنفقيها»(4) .

وإذا كان الاستيلاء على خيبر من اليهود أشبع عائشة وقومها التمر أيام النبي، فإنها
- بعد النبي - شبعت من كلّ شيء، خاصة مع
تحوّل كبار الصحابة إلى رأسماليين وإقطاعيين، بعد غزو البلاد الغنية المحيطة بجزيرة العرب وقهر أهلها واستعبادهم وسرقة أراضيهم.

يبقى زمن أبي بكر استثناء: فظروف أبي بكر لم تمكنه من غزو البلاد المحيطة، بعد أن تفجرت أمام خلافته مشاكل ما عرف بحروب الردة. مع ذلك، فقد وجد أبو بكر وقتاً وأموالاً - لليهود أيضاً - كي يعطي ابنته، عائشة. تقول إحدى الروايات: «كان المال الذي نحل [أبو بكر] عائشة بالعالية من أموال بني النضير: بئر حجر؛ كان النبي (ص) أعطاه (رض) ذلك المال، فأصلحه بعد ذلك أبو بكر، وغرس فيه ودياً»(5) .

كان الإقطاعي الكبير، طلحة بن عبيد الله، عزيزاً على عائشة، مقرّباً منها. ويذكر أنه كان «يرسل إلى عائشة، إذا جاءت غلته كلّ سنة، بعشرة آلاف»(6) . أما ابن عوف، الإقطاعي الكبير الآخر، فيذكر أنه «باع أرضاً له من عثمان بأربعين ألف دينار.. فأتيت عائشة بنصيبها من ذلك.. فقالت: إن رسول الله (ص)، قال: لا يحسن عليكن بعدي إلا الصابرون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة»(7) .

وبعد حرب الجمل، « أعطت عائشة من بشّرها بأنّ عبد الله [بن الزبير] لم يقتل... عشرة آلاف درهم »(8) .

ووصل الأمر بها إلى درجة أن عروة، قال: «رأيت عائشة تقسم سبعين ألفاً»(9) ؛ أو: «كانت تتصدّق بسبعين ألفاً»(10) .

كان لعائشة «كساء خزٍّ تلبسه»(11)؛ و «كانت تلبس المعصفر»(12) ، و «كانت تلبس الأحمرين: المذهب والمعصفر، وهي محرمة»(13)؛ وقال القاسم بن محمد: «رأيت عائشة تلبس المعصفرات وتلبس خواتم الذهب»(14) . ويذكر البخاري في صحيحه(15) : «لبست عائشة المعصفرات وهي محرمة». وقالت معاذة العدوية: «رأيت على عائشة ملحفة صفراء»(16) ؛ وقيل إنها كانت تلبس «ثياباً حمراء كأنها الشرر - وهي محرمة»(17) ؛ أو «درعاً مضرجة»(18) . وروى عطاء: «كنت آتي عائشة، أنا وعبيد بن عمير، وهي مجاورة في جوف ثبير، في قبّة لها تركية، عليها غشاؤها، ولكن قد رأيت عليها درعاً معصفراً - وأنا صبي»(19) .

حين أراد عبد الله بن الزبير أن ينافس على الخلافة، لم يجد أمامه سوى المال وسيلة يكسب بها ودّ خالته. وتروي المصادر أن ابن الزبير بعث «إلى عائشة بمال في غرارتين، يكون مائة ألف، [أو «مائة وثمانين ألف»(20) ]، فجعلت تقسم بين الناس، فلما أمست، قالت: يا جارية: هاتي فطرتي. فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين، أما استطعت أن تشتري بدرهم لحماً مما أنفقت؟! فقالت: لا تعنفيني، لو أذكرتني لفعلت»(21) . وقيل أيضاً، إن عائشة «ساقت بدنتين، فضلّتا، فأرسل لها ابن الزبير مكانهما، فوجدت البدنتين الأولين، فنحرتهما أيضاً»(22) .

لكن ابن الزبير كان بخيلاً شحيحاً. فقد روي عنه أنه «قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة (رض): والله لتنتهي عائشة أو لأحجر عليها! فقالت: أهو قال هذا؟! قالوا: نعم! قالت: فلّله عليّ نذر ألاّ أكلم ابن الزبير أبداً. فاستشفع ابن الزبير وكلّم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود... قال: أنشدكما الله لما أدخلتماني على عائشة (رض) فإنه لا يحلّ لها أن تنذر قطيعتي... فأقبلا... على عائشة، فقالت: ادخلوا كلّكم! ولا تعلم أن معهم ابن الزبير، فاعتنق عائشة (رض) فطفق يناشدها ويبكي.. وطفق المسّور وعبد الرحمن يناشداها ألا ما كلّمته، وقبلت منه، ويقولان: إن النبي (ص) ينهى عما قد عملت من الهجر، وإنه لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث! فلما أكثروا على عائشة (رض) من التذكير والتحريج، طفقت تذكرها وتبكي، وتقول: إني نذرت، والنذر شديد! فلم يزالا بها حتى كلّمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة... أخرجه البخاري»(23) .

امرأة بمثل هذه الذاكرة: كيف نصدّق أنها روت كلّ هذا الكم من الأحاديث؟

الفهرس